داوى ظنا مِنْهُ أَنه ينفع فَكَانَ مضرًا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ غير الْإِثْم الشَّديد وَالْعَذَاب الْعَظِيم فِي دَار الْوَعيد فليتق الله وَيرجع عَن ذَلِك وَإِلَّا فَهُوَ من أهل المهالك، وَأما مَا يَأْخُذهُ مِنْهُم فَهُوَ محرم عَلَيْهِ أكله لأَنهم لم يسمحوا لَهُ بِهِ إِلَّا ظنا مِنْهُم أَنه يعرف مَا يصفه من الْأَدْوِيَة وَغَيرهَا، وَلَو علمُوا أَنه معاقب آثم بِمَا يَفْعَله لم يُعْطه أحد شَيْئا فَهُوَ آخذ لَهُ بالغش والبهتان والجور والعدوان، وَالله أعلم.
١٩ - وَسُئِلَ ﵁، مَا حكم كتب العزائم وتعليقها على الصّبيان وَالدَّوَاب؟ فَأجَاب ﵁: وفسح فِي مدَّته: يجوز كتب العزائم الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْء من الْأَسْمَاء الَّتِي لَا يعرف مَعْنَاهَا، وَكَذَلِكَ يجوز تَعْلِيقهَا على الْآدَمِيّين وَالدَّوَاب، وَالله سُبْحَانَهُ أعلم بِالصَّوَابِ.
٢٠ - وَسُئِلَ نفع الله بِعُلُومِهِ: السُّؤَال عَن النحس والسعد وَعَن الْأَيَّام والليالي الَّتِي تصلح لنَحْو السّفر والانتقال مَا يكون جَوَابه؟ فَأجَاب ﵁: من يسْأَل عَن النحس وَمَا بعده لَا يُجَاب إِلَّا بِالْإِعْرَاضِ عَنهُ وتسفيه مَا فعله وَيبين لَهُ قبحه، وَأَن ذَلِك من سنة الْيَهُود لَا من هدي الْمُسلمين المتوكلين على خالقهم وبارئهم الَّذين لَا يحسبون وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ، وَمَا ينْقل من الْأَيَّام المنقوطة وَنَحْوهَا عَن عَليّ كرم الله وَجهه بَاطِل كذب لَا أصل لَهُ فليحذر من ذَلِك وَالله أعلم.
٢١ - وسئلت: هَل كل محتضر يرى ملك الْمَوْت ﵇ صَغِير وكبير وأعمى وبصير آدَمِيّ وَغَيره؟ فَأُجِيب بِقَوْلِي: ورد مَا يدل على مُعَاينَة المحتضر الَّذِي لم يمت فَجْأَة لملك الْمَوْت أَو بعض أعوانه؛ فَمن ذَلِك حَدِيث أبي نعيم أَنه ﷺ قَالَ: (احضروا مَوْتَاكُم ولقنوهم لَا إِلَه إِلَّا الله وبشروهم بِالْجنَّةِ فَإِن الْحَلِيم من الرِّجَال وَالنِّسَاء يتحير عِنْد ذَلِك المصرع، وَإِن الشَّيْطَان أقرب مَا يكون من ابْن آدم عِنْد ذَلِك المصرع، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لمعاينة ملك الْمَوْت أشدّ من ألف ضَرْبَة بِالسَّيْفِ) . فَقَوله: (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لمعاينة ملك الْمَوْت إِلَخ) الَّذِي وَقع كالتعليل لما قبله من طلب التَّلْقِين وَمَا مَعَه لكل من حَضَره الْمَوْت يومىء إِلَى أَن كل محتضر يطْلب تلقينه يعاين ملك الْمَوْت وَإِلَّا لم يكن للحلف على ذَلِك بل وَلَا لذكره مُنَاسبَة لهَذَا الْمقَام أَلْبَتَّة، وَفِي حَدِيث (إِن ملك الْمَوْت إِذا سمع الصُّرَاخ يَقُول: يَا وَيْلكُمْ مِم الْجزع وفيم الْجزع؟ مَا أذهبت لوَاحِد مِنْكُم رزقا وَلَا قربت لَهُ أََجَلًا وَلَا أَتَيْته حَتَّى أُمرت، وَلَا قبضت روحه حَتَّى استأمرت، وَإِن لي فِيكُم عودة ثمَّ عودة ثمَّ عودة حَتَّى لَا أبقى مِنْكُم أحدا. قَالَ ﷺ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو يرَوْنَ مَكَانَهُ أَو يسمعُونَ كَلَامه لذهلوا عَن ميتهم ولبكوا على أنفسهم) الحَدِيث. وَفِي حَدِيث آخر: (أَنه ﷺ نظر لملك الْمَوْت عِنْد رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ: ارْفُقْ بصاحبنا فَإِنَّهُ مُؤمن، فَقَالَ ملك الْمَوْت ﵇: يَا مُحَمَّد طب نفسا وقر عينا فَإِنِّي بِكُل مُؤمن رَفِيق. وَاعْلَم أَن مَا من أهل بَيت مدر وَلَا شعر فِي بر وَلَا بَحر إِلَّا وَأَنا أتصفحهم فِي كل يَوْم خمس مَرَّات حَتَّى لأَنا أعرف بصغيرهم وَكَبِيرهمْ مِنْهُم بِأَنْفسِهِم، وَالله يَا مُحَمَّد لَو أَنِّي أردْت أَن أَقبض روح بعوضة مَا قدرت على ذَلِك حَتَّى يكون الله هُوَ الْآمِر بقبضها) . قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَفِي هَذَا الْخَبَر مَا يدل على أَن ملك الْمَوْت هُوَ الْمُوكل بِقَبض كل ذِي روح وَأَن تصرفه كُله بِأَمْر الله ﷿ وبخلقه وإرادته وَلَا يُنَافِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأٌّنفُسَ حِينَ مِوْتِهَا وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا﴾ [الزمر: ٤٢] وَقَوله: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ [الْأَنْعَام: ٦١] وَقَوله تَعَالَى: ﴿إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلَائِكَةُ﴾ [الْأَنْفَال: ٥٠] . وَمَا فِي حَدِيث: (إِن الْبَهَائِم كلهَا يتَوَلَّى الله أرواحها دون ملك الْمَوْت) وَذَلِكَ لِأَن ملك الْمَوْت يقبض الْأَرْوَاح والأعوان يعالجون وَالله ﷾ هُوَ الَّذِي يزهق الرّوح وَبِهَذَا يجمع بَين الْآيَات وَالْأَخْبَار لَكِن لما كَانَ ملك الْمَوْت يتَوَلَّى ذَلِك بالوساطة والمباشرة أضيف التوفي إِلَيْهِ كَمَا أضيفت الْخلق للْملك فِي خبر مُسلم: (إِذا مر بالنطفة ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَة بعث الله إِلَيْهَا ملكا فصوّرها وَخلق سَمعهَا وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها) . وَفِي حَدِيث آخر: (إِن ملك الْمَوْت قَالَ للنَّبي ﷺ لَيْلَة الْإِسْرَاء بعد كَلَام طَوِيل: فَإِذا نفذ أجل عبد نظرت إِلَيْهِ زِيَادَة فَإِذا نظرت إِلَيْهِ عرفُوا أعواني من الْمَلَائِكَة أَنه من مَقْبُوض غدٍ، وانبطشوا بِهِ يعالجون نزع روحه فَإِذا بلغُوا بِالروحِ الْحُلْقُوم عرفت ذَلِك فَلم يخف عليّ شَيْء من أمره مددت يَدي فأنزعه من جسده وألي قَبضه) . وَفِي خبر آخر: (إِنَّه ينزل عَلَيْهِ أَرْبَعَة من الْمَلَائِكَة ملك يجذب النَّفس من قدمه الْيُمْنَى، وَملك يجذبها من قدمه الْيُسْرَى، وَملك يجذبها من يَده الْيُمْنَى، وَملك يجذبها من يَده الْيُسْرَى) ذكره الْغَزالِيّ قَالَ: وَرُبمَا كشف للْمَيت عَن الْأَمر الملكوتي قبل أَن يُغَرْغر فعاين الْمَلَائِكَة على حسب حَقِيقَة عمله فَإِن كَانَ لِسَانه
1 / 20