لَيْسَ لَهُ مَفْهُوم نظرا للمعنى الَّذِي ندب لأَجله أَن يُقَال ذَلِك، وَذَلِكَ الْمَعْنى هُوَ خيفة الْإِيذَاء من سَاكِني ذَلِك الْمحل وَغَيرهم مِمَّا فِيهِ من الأفاعي وَالْجِنّ والجمادات، وَإِذا تقرر أَن هَذَا هُوَ السَّبَب الْحَامِل على الْإِتْيَان بِهَذَا الذّكر اتَّضَح أَن ذكر إِرَادَة الدُّخُول فِي الحَدِيث لَا مَفْهُوم لَهُ لِأَنَّهُ خرج مخرج الْغَالِب على أَنه فِي (شرح الْمُهَذّب) جرى على ظَاهر الحَدِيث فَقَالَ: يسْتَحبّ إِذا أشرف على قَرْيَة يُرِيد دُخُولهَا أَو منزل أَن يَقُول: اللَّهم إِنِّي أَسأَلك خَيرهَا إِلَخ لكنه فِي هَذَا التَّعْبِير أَشَارَ إِلَى استنباط آخر، وَهُوَ أَن التَّعْبِير بالقرية فِي الحَدِيث لَيْسَ للاشتراط بل للْغَالِب فَلِذَا ألحق سَائِر الْمنَازل بهَا فِي ندب الدُّعَاء الْمَذْكُور عِنْد الإشراف عَلَيْهِ، وَإِن لم تكن قَرْيَة. فاستفيد من مَجْمُوع كَلَامه فِي الْكِتَابَيْنِ أَن التَّقْيِيد بِإِرَادَة الدُّخُول وبالقرية فِي الحَدِيث لَا مَفْهُوم لَهُ وَأَن الْمنزل كالقرية وَعدم إِرَادَة الدُّخُول كإرادته، وَالْحَامِل لَهُ على ذَلِك وَالله أعلم مَا ذكرته من أَن الْمَعْنى الَّذِي طلب لأَجله هَذَا الدُّعَاء مَوْجُود عِنْد رُؤْيَة الْقرْيَة والمنزل وَعند إِرَادَة الدُّخُول وَعدمهَا إِذْ النَّفس تخشى من مَحل اجْتِمَاع النَّاس ومنازلهم وَمَا يتبعهُم أَن يلْحقهَا من ذَلِك نوع ضَرَر فشرع لَهَا هَذَا الدُّعَاء تطمينًا لَهَا وإرشادًا إِلَى مزِيد شُهُود الافتقار والضعف والذلة ليَكُون ذَلِك متكفلًا لَهَا بالسلامة من كل مؤذ. وَبِمَا تقرر علم حسن صَنِيع النَّوَوِيّ ودقة فهمه فِي الحَدِيث وَبَالغ إشاراته إِلَى حقائقه، وَهَكَذَا يُقَاس بِمَا قُلْنَاهُ مَا يَقع لَهُ من نَظِير ذَلِك أَفَاضَ الله علينا من بَرَكَات أنفاسه الطاهرة وحشرنا فِي زمرته وعَلى قدمه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ومنّ علينا بِرِضَاهُ فِي هَذِه الدَّار إِلَى أَن نَلْقَاهُ إِنَّه هُوَ الْجواد الرَّحِيم، وَالله سُبْحَانَهُ أعلم بِالصَّوَابِ.
١٤ - وَسُئِلَ ﵁: هَل خلقت الأَرْض قبل السَّمَاء؟ فَأجَاب نفع الله بِعُلُومِهِ وبركته: نعم كَمَا صَحَّ فِي البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس ﵄ وَالْقُرْآن نَاطِق بِهِ. وَأجَاب عَن قَوْله تَعَالَى: ﴿أَءَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَآءُ بَنَاهَا﴾ [النازعات: ٢٧] الْآيَة؛ بِأَن الأَرْض خلقت أَولا كالخبزة وخلقت السَّمَاء بعْدهَا ثمَّ هيأ الأَرْض ودحاها، وَالله أعلم.
١٥ - وَسُئِلَ ﵁: هَل اللَّيْل أفضل من النَّهَار؟ فَأجَاب فسح الله فِي مدَّته: قَالَ جمَاعَة: النَّهَار أفضل من اللَّيْل لما فِيهِ من فضل الِاجْتِمَاع على الْقُرْآن وَالذكر. وَقَالَ آخَرُونَ: بل اللَّيْل أفضل إِذْ لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر، وَلَيْسَ لنا يَوْم خيرا من ألف شهر، وَيدل لَهُ قَوْلهم: لَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي أفضل الْأَوْقَات طلقت لَيْلَة الْقدر، واختصاصه بالتجلي الْأَكْبَر وبالمعراج، وَالله سُبْحَانَهُ أعلم.
١٦ - وَسُئِلَ ﵁: هَل الْعَرْش أفضل من الْكُرْسِيّ؟ فَأجَاب ﵀ بقوله: نعم كَمَا صرح بِهِ ابْن قُتَيْبَة، وَصرح أَيْضا بِأَن الْكُرْسِيّ أفضل من السَّمَاء، وَأَن الشَّام أفضل من الْعرَاق، وَبِأَن الْحجر أفضل من الرُّكْن الْيَمَانِيّ، وَهُوَ أفضل الْقَوَاعِد، وَالله أعلم.
١٧ - وَسُئِلَ نفع الله تَعَالَى بِعُلُومِهِ: هَل اللَّيْل فِي السَّمَاء كالأرض؟ فَأجَاب ﵁ بقوله: الَّذِي دلّت عَلَيْهِ الْآيَات القرآنية أَنه من خَواص أهل الأَرْض، لِأَن الله تَعَالَى امتن بِهِ علينا رَاحَة لنا لأَنا نتعب ونمل بِخِلَاف أهل السَّمَاء؛ وَمعنى ﴿يُسَبِّحُونَ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاء: ٢٠] أَنهم دائمون على ذَلِك فكنى بذلك عَن الدَّوَام وَوُقُوع الْمِعْرَاج لَيْلًا إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لأهل الأَرْض وَالله سُبْحَانَهُ أعلم.
١٨ - وَسُئِلَ ﵁: فِي رجل لَيست لَهُ معرفَة تَامَّة بالطب وَيَجِيء إِلَيْهِ أَصْحَاب الْعِلَل فَينْظر فِي كتب الطِّبّ فَمَا وجده مُوَافقا طِبًّا لطبعه داوى بِهِ وَلم يدر تشخيص الْعلَّة لصَاحب الْعلَّة بل قَالَ لَهُ: افْعَل فَمنهمْ من يبرأ وَمِنْهُم من لَا، فَمَا الحكم فِي ذَلِك وَمَا حكم الْمَأْخُوذ مِنْهُم بِالرِّضَا؟ فَأجَاب نفع الله بِعُلُومِهِ وبركته: من يطالع كتب الطِّبّ وَيذكر للنَّاس مَا فِيهَا من غير أَن يتشخص الْعلَّة فقد جازف وتجرأ على إِفْسَاد أبدان النَّاس وإلحاق الضَّرَر بهم، لِأَن من لَا يتشخص الْعلَّة وَلَا يتَيَقَّن كليات علم الطّلب لَا يجوز لَهُ أَن يُفْتِي بِشَيْء من جزئياته لِأَن الجزئيات لَا يضبطها إِلَّا الكليات، ومِنْ ثمَّ قَالَ بعض حذاق الْأَطِبَّاء: كتبنَا قاتلة للفقهاء أَي إِنَّهُم يرَوْنَ فِيهَا أَن الشَّيْء الْفُلَانِيّ دَوَاء لِلْعِلَّةِ الْفُلَانِيَّة فيستعملونه لتِلْك الْعلَّة غافلين عَن أَن فِي الْبدن عِلّة خُفْيَة تضَاد ذَلِك الدَّوَاء فَيكون الْقَتْل حينئذٍ من حَيْثُ ظنوه نَافِعًا، وحينئذٍ فَلَا يصلح ذَلِك الدَّوَاء إِلَّا لمن علم أَنه لَيْسَ فِي الْبدن مضاد لَهُ، وَلَا يُحِيط بذلك إِلَّا الطَّبِيب الماهر الَّذِي أَخذ الْعلم عَن الصُّدُور لَا عَن السطور، وَلَا خُصُوصِيَّة لعلم الطِّبّ بذلك بل كل من أَخذ الْعلم عَن السطور كَانَ ضَالًّا مضلًا وَلذَا قَالَ النَّوَوِيّ ﵀: من رأى الْمَسْأَلَة فِي عشرَة كتب مثلا لَا يجوز لَهُ الْإِفْتَاء بهَا لاحْتِمَال أَن تِلْكَ الْكتب كلهَا مَاشِيَة على قَول أَو طَرِيق ضَعِيف، ثمَّ هَذَا الطَّبِيب إِذا
1 / 19