فَقَالَ: انْظُرُوا أَيْن هُوَ؟ فنظروه فَقَالَ: اقْتُلُوهُ فَكنت أقتلها لذَلِك فَلَقِيت أَبَا لُبابة فَأَخْبرنِي أَن النَّبِي ﷺ قَالَ: لَا تقتلُوا الْحَيَّات إِلَّا كل أَبتر ذِي طفيتين فَإِنَّهُ يسْقط الْوَلَد وَيذْهب الْبَصَر فَاقْتُلُوهُ) . وَلَفظه عَن نَافِع عَن ابْن عمر: (أَنه كَانَ يقتل الْحَيَّات فحدثه أَبُو لبَابَة أَن النَّبِي ﷺ نهى عَن قتل حيات الْبيُوت فَأمْسك عَنْهَا) . وَلَفظه عَن سَالم عَن ابْن عمر أَنه سمع النَّبِي ﷺ يخْطب على الْمِنْبَر: (اقْتُلُوا الْحَيَّات واقتلوا ذَا الطفيتين والأبتر فَإِنَّهُمَا يطمسان الْبَصَر ويسقطان الْحمل) . قَالَ عبد الله: فَبَيْنَمَا أطارد حَيَّة لأقتلها فناداني أَبُو لبَابَة لَا تقتلها فَقلت إِن رَسُول الله ﷺ قد أَمر بقتل الْحَيَّات قَالَ إِنَّه نهى بعد ذَلِك عَن ذَوَات الْبيُوت وَهن العوامر) . وَلَفظ الثَّانِي عَن نَافِع قَالَ: (كَانَ عبد الله ﷺ بن عمر ﵄ يَوْمًا عِنْد هدم لَهُ فرأي أَبيض جَان فَقَالَ اتبعُوا هَذَا الجان فَاقْتُلُوهُ، فَقَالَ أَبُو لبَابَة الْأنْصَارِيّ: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله ﷺ نهى عَن قتل الجان الَّذِي يكون فِي الْبيُوت إِلَّا الأبتر وَذَا الطفيتين فَإِنَّهُمَا اللَّذَان يخطفان الْبَصَر ويتبعان مَا فِي بطُون النِّسَاء) فَظَاهر قَوْله فِي الأول: (لَا تقتلُوا الْحَيَّات) وَقَوله فِي الثَّانِي: (نهى) حُرْمَة قتل الجان الْمَذْكُور إِلَّا أَن يُقَال غير مَعْمُول بِظَاهِرِهِ من حُرْمَة الْقَتْل وَلَو بعد الْإِنْذَار، وَفِيه مَا فِيهِ إِذْ الْمُطلق فِي هَذِه الرِّوَايَة مَحْمُول على الْمُقَيد فِي غَيرهَا من قَتلهَا بعد الْإِنْذَار مُطلقًا وَبِهَذَا يُقيد أَيْضا. مَا أخرجه أَبُو دَاوُد عَن ابْن مَسْعُود ﵁ قَالَ: (اقْتُلُوا الْحَيَّات إِلَّا الجان الْأَبْيَض الَّذِي كَأَنَّهُ قضيب فضَّة) . وَاعْلَم أَن حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ ﵁ يَقْتَضِي طلب تقدم الْإِنْذَار فِي سَائِر أَنْوَاع الْحَيَّات، وحينئذٍ يُعَارض مَا مر أول الْجَواب من إِطْلَاق الْأَمر بقتلها. وَقد يُجَاب بِأَن إِطْلَاق الْأَمر بِالْقَتْلِ مَنْسُوخ كَمَا عرف من رِوَايَة البُخَارِيّ السَّابِقَة أَيْضا، وَيحمل هَذَا على مَا إِذا لم يذهب بالإنذار وَإِلَّا قتل جانًا كَانَ أَو غَيره، ويعارض اسْتثِْنَاء الأبتر وَذي الطفيتين إِلَّا أَن يُجَاب بِأَن اسْتثِْنَاء هذَيْن يَقْتَضِي أَن الجني لَا يتصوّر بصورتهما فيسنّ قَتلهمَا مُطلقًا. ثمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيّ نقل ذَلِك عَن الْمَاوَرْدِيّ فَقَالَ: إِنَّمَا أَمر بِقَتْلِهِمَا لِأَن الْجِنّ لَا تتمثل بهما، وَإِنَّمَا نهى عَن ذَوَات الْبيُوت لِأَن الجني يتَمَثَّل بهَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه ﷺ قَالَ: (اقتلوهما فَإِنَّهُمَا يطمسان الْبَصَر ويسقطان الحبالى) قَالَ الزُّهْرِيّ: ونرى ذَلِك من سمهما، وَظَاهر الْأَحَادِيث السَّابِقَة اخْتِصَاص طلب الْإِنْذَار بعامر الْبيُوت وَهُوَ مُحْتَمل، وَيحْتَمل أَنه إِنَّمَا خص بذلك لِأَنَّهُ يتَأَكَّد فِيهِ أَكثر وَإِلَّا فالعلة الْمَعْلُومَة مِمَّا مر تَقْتَضِي طلب الْإِنْذَار فِيمَا عدا الأبتر وَذَا الطفيتين سَوَاء كَانَت عَامر بَيت أَو بُسْتَان أَو بِئْر أَو غَيرهَا وَالتَّعْبِير بذوات الْبيُوت وَهن العوامر فِي رِوَايَة البُخَارِيّ السَّابِقَة كَأَنَّهُ للْغَالِب. وَلَا يُنَافِي مَا مر من عدم وجوب الْإِنْذَار مَا أخرجه أَبُو الشَّيْخ وَابْن أبي الدُّنْيَا أَن عَائِشَة ﵂ أمرت بقتل جَان أَو حَيَّة فَقيل لَهَا إِنَّه مِمَّن اسْتمع الْوَحْي مَعَ النَّبِي ﷺ فتصدقت بِاثْنَيْ عشر ألف دِرْهَم وَفِي رِوَايَة: أعتقت أَرْبَعِينَ رَأْسا وَذَلِكَ لِأَنَّهَا إِنَّمَا فعلت ذَلِك تورعًا كَمَا هُوَ ظَاهر. وَبِمَا تقرر علم أَنه لَا يطْلب التَّحَوُّل من الدَّار لأجل مَا ظهر من الْحَيَّات فِيهَا بل تنذر ثَلَاثًا فَإِن ذهبت وَإِلَّا قتلت، وَإِن الثَّلَاث ثَلَاثَة أَيَّام عِنْد الْجُمْهُور وَثَلَاث سَاعَات عِنْد غَيرهم، وَأَن سَائِر الْحَيَّات العوامر فِي ذَلِك سَوَاء إِلَّا الأبتر وَذَا الطفيتين، وَلما مر فيهمَا وحيات الْبيُوت كَذَلِك لما مر فيهمَا، وَأَن حيات غير الْبيُوت لَا يبعد إلحاقها بحيات الْبيُوت، وَأَن كَيْفيَّة الْكَلَام الَّذِي يُقَال عِنْد الْإِنْذَار. مَا أخرج أَبُو دَاوُد عَن أبي ليلى: (أَن رَسُول الله ﷺ سُئِلَ عَن حيات الْبيُوت فَقَالَ: إِذا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئا فِي مَسَاكِنكُمْ فَقولُوا: أنشدكن الْعَهْد الَّذِي أَخذ عليكن نوح، أنشدكن الْعَهْد الَّذِي أَخذ عليكن سُلَيْمَان أَن لَا تؤذونا فَإِن عدن فاقتلوهن) وَذكر الحَدِيث فِي (أُسد الغابة) عَن أبي ليلى بِلَفْظ: (إِذا ظَهرت الْحَيَّة فِي الْمسكن فَقولُوا لَهَا: إِنَّا نَسْأَلك بِعَهْد نوح ﵇ وبعهد سُلَيْمَان بن دَاوُد ﵉ لَا تؤذينا فَإِن عَادَتْ فاقتلوها) ثمَّ رَأَيْت الطَّحَاوِيّ من أَئِمَّة الحَدِيث وَالْفِقْه على مَذْهَب أبي حنيفَة رحمهمَا الله صرح بِمَا قَدمته من أَن الْإِنْذَار غير وَاجِب. وَعبارَته لَا بَأْس بقتل الْجَمِيع وَالْأولَى بعد الْإِنْذَار انْتَهَت، وَهِي غير صَرِيحَة فِيمَا قَدمته أَيْضا من أَن الْإِنْذَار مَنْدُوب فِي الْجَمِيع وَإِنَّمَا استثنيت مِنْهُ النَّوْعَيْنِ السَّابِقين أخذا بِالْحَدِيثِ وَالْعلَّة كَمَا مر، وَيُؤْخَذ من عِبَارَته أَيْضا أَن مَا نقل عَن الْحَنَفِيَّة من أَنه لَا يَنْبَغِي أَن تقتل الْحَيَّة الْبَيْضَاء لِأَنَّهَا من الجان مَحْمُول على أَن سَبَب
1 / 16