قال: «ليس هذا ما أخافه يا سيدي؛ فإن قومنا بعيدون عن الترف. وكيف نخاف عليهم ذلك وهم يرون أمير المؤمنين ابن بنت الرسول يتولى الدولة بنفسه. يجلس في برد الشتاء على اللبود وعليه جبة وحوله أبواب مفتحة تفضي إلى خزائن كتب وبين يديه دواة وكتب لا يأكل ولا يشرب ولا يتقلب في الديباج والحرير والفنك والسمور والمسك والخمر كما يفعل أرباب الدنيا
1
كيف يرونه في مثل ذلك لا يفضل أحدا منهم في أحوالهم بل هو مشغول بكتب ترد عليه من المشرق والمغرب، يجيب عنها بخطه، لا يشتغل بشيء من ملاذ الدنيا إلا بما يصون أرواحهم ويعمر بلادهم ويذل أعداءهم، هل يجسرون على شيء غير ذلك؟»
فأعجب المعز بما سمعه منه فقال: «إن هذا لا يكفي يا أبا الحسين إني أخاف على رجالي الاستكثار من النساء. إني لا أرى للواحد منهم أن يقتني غير المرأة الواحدة؛ لئلا يتنغص عيشهم وتعود المضرة عليهم وتنهك أبدانهم وتذهب قوتهم. وكثيرا ما أوصيتهم بذلك ليقرب الله منا أمر المشرق كما قرب أمر المغرب.»
قال: «إن سهر مولاي على دولته بمثل ما تقدم كفيل بالنجاة من الوقوع في ما تخوفه ولكنني أخاف ...» وسكت وهو يتشاغل بإصلاح عمامته وخماره.
فلحظ المعز في وجهه شيئا يكتمه فقال: «وما الذي تخافه يا جوهر ؟ قل!»
قال: «أخاف الدسائس السرية.»
قال: «وما تعني؟ أي الدسائس؟»
قال : «أخاف قوما لا نعرفهم ولا نعرف نياتهم.»
قال: «من تعني ... كيف نخافهم ونحن لا نعرفهم؟»
Unknown page