1
وأول الخلفاء الفاطميين عبيد الله المهدي بن محمد الحبيب بن جعفر الصادق، من نسل الحسين بن فاطمة الزهراء. قام له بالدعوة رجل شيعي اسمه أبو عبد الله الشيعي بمساعدة قبائل البربر وخصوصا كتامة وصنهاجة كما قام أبو مسلم الخراساني في المشرق بدعوة العباسيين بمساعدة الخراسانيين. ولما استقر لعبيد الله المهدي الملك قتل أبا عبد الله الشيعي كما قتل المنصور أبا مسلم.
2
وكان عبيد الله في أول الدعوة يقيم في المهدية على ساحل تونس، ثم نقل إلى القيروان وتوفي سنة 322ه، فخلفه ابنه القاسم ولقب القائم بأمر الله وتوفي سنة 334ه، فخلفه ابنه المنصور أبو طاهر وتوفي 341ه فخلفه المعز لدين الله وعلى عهده فتحت مصر على يد قائده جوهر الصقلي. وفي أيامهما جرت حوادث هذه الرواية.
الفصل الثالث
المعز لدين الله وقائده جوهر
خرج المعز في ليلة مقمرة من ليالي سنة 357ه إلى حديقة قصره في المنصورية قرب القيروان وفى الحديقة بركة واسعة يصب فيها الماء من نبع جر ماءه المعز إليها من جبل بقرب المنصورية، وفرقه بأنابيب الرصاص إلى قصور المدينة ومسجدها وأسواقها، وينصرف ما بقي من ذلك الماء إلى القيروان - وقد علمت أن المنصورية خاصة بالخليفة وأهله وحاشيته وأعوانه لا يشاركهم فيها أحد. وقد أحاطوها بسور ضخم عال فهي أشبه بالحصون منها بالمدن. وهو هناك في مأمن من غدر الغادرين لأنها محاطة بسور منيع أبوابه مصفحة بالحديد تقفل وتفتح عند الحاجة.
خرج المعز في تلك الليلة وهو مطمئن الخاطر لا يخاف غدرا، حتى إذا توغل في الحديقة ولا شيء فيها من زخارف المدينة أشرف على تلك البركة وليست هي مما يستجلب النظر أو يستلفت الانتباه لكن لها حديثا يطرب له المعز ولا يطرب له سواه إلا قائده جوهر البطل الصقلي. وكان قد أسكنه في مدينته واختصه بقصر من قصورها وبالغ في إكرامه ورفع منزلته.
وصل البركة والقمر قد تكبد السماء فأسرع البستاني إلى مقعد معد لجلوس الخليفة إذا نزل في تلك الساعة وأهل القصر نيام حتى الخدم. وإنما أرقه أمر شغل خاطره وأخذ بمجامع قلبه لم يكاشف به أحدا من أعوانه؛ لأنه كان حريصا على سره لا يطلع عليه أحدا إلا إذا نضج وآن إخراجه إلى حيز الفعل. شأن رجال العمل وأهل الحزم. على أنه ضاق ذرعا في تلك الليلة عن الاحتفاظ بذلك السر فخطر له أن يكاشف به قائده جوهرا.
وكان المعز عالي الهمة عظيم الهيبة واسع المطامع أدرك الأربعين من عمره وقد لبس في تلك الليلة رداء أبيض بسيطا والتف بالعباءة وجعل على رأسه عمامة صغيرة. فلما استقر به الجلوس صفق ونادى «خفيف» وهو غلام صقلي كان قد اختصه بخدمته فحضر، فقال: «ادع قائدنا جوهرا.»
Unknown page