قالت: «أظنهما لا يزالان هناك وفي استخراجهما من جوف الكعبة بسالة واقتدار جديران بكم.»
فلما سمع سلمان ذلك اضطرب فؤاده خوفا على سيده لعلمه أن الكعبة أمنع من عقاب الجو قد يستحيل الوصول إليها.
فقال: «هل تأذن سيدتي بكلمة أقولها.»
قالت: «تفضل.»
فقال: «هل تريدين أن تلبس مولاتي هندا قرطي مارية عينهما أم قرطين آخرين مثلهما.»
قالت: «لا نلتمس شيئا يقدر بالمال يا سلمان فإننا من نعم الله في سعة وبسطة عيش ولكننا نريد أن نفاخر أعمامنا بأننا لم نرض لهند إلا رجلا استخرج قرطي مارية من جوف الكعبة وهذا ما أضحكني لما سمعت حكاية الأمير عبد الله وذهابه إلى الحجاز فقلت في نفسي أن الله قد أذن بذهاب حماد ليلتقي بأبيه هناك لأن مقام أبي سفيان في مكة حيث الكعبة أيضا.»
فإلتفت حماد إلى سعدى وملامح البسالة تتجلى في وجهه وقال: «لقد طلبت أمرا يحقر كثيرا في سبيل مرضاة هند ولسوف ترين منا فوق ذلك بإذن الله.» وأما سلمان فانه استعظم الطلب ولكنه لبث صامتا احتراما لمقال سيده.
أما هند فإنها كانت جالسة في غرفتها وهي تعلم بما ستقوله والدتها فلما تصورت الخطر المحدق بهذه المهمة ندمت لمجاراة والديها في ذلك وأدركت أنهما إنما دبرا حيلة للتخلص منه فعظم الأمر عليها حتى بكت.
وفيما هي في ذلك دخلت الخادمة تدعوها إلى والدتها فمسحت دموعها وسارت والكآبة ظاهرة على وجهها فلما دخلت الغرفة ورآها حماد على تلك الحال أثر منظرها في نفسه وهاجت فيه حمية الرجال وقد أدرك أنها انما تبكى جزعا عليه فقال لها: «لا تجزعي يا هند انك ستلبسين قرطي مارية وتفاخرين بهما أهل الخافقين.»
فصمتت هند ولم تجب ولكن كلام حماد أثار فيها ساكن الغرام وهاج عواطفها فازدادت إعجابا بشهامته وحبه على أن خوفها عليه اعترض مجرى عواطفها فهبت الحرارة في جسمها كأنك كشفت الغطاء عن نار متقدة في فؤادها فانبعث لهيبها إلى سائر أطراف البدن وتلألأت الدموع في عينيها فأطرقت وجعلت تتلاهى بتثنية أطراف أكمامها مخافة أن يظهر اضطرابها لحماد.
Unknown page