Fasl Khitab
فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية (المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية)
Publisher
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢١هـ
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
Creeds and Sects
وتَبْيَضُّ مِنْهُ النَّواصِي. هؤلاءِ أكابِرُ الأمَّةِ المُحَمَّدِيةِ وَعُلَماؤُها الأعلامُ، قد صادَفوا عِندَ دَعوتِهم إلى الحَقِّ والمحافظَةِ عَلَيه ما يَسْوَدُّ منه وجه القِرْطاسِ، وتَشيبُ مِنه لِمَمُ المِدادِ. والأنبياءُ- صلواتُ الله عليهِم- وأتباعُهُم المُؤمنونَ- وإنْ كانوا يُبْتَلونَ في أوَّلِ الأمْر- فالعاقبَةُ لَهم، كما قالَ تَعالى لَمَّا قَصَّ قصةَ نَوح [هود: ٤٩]: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [هود: ٤٩] وفي الحَديثِ المتَّفَقِ على صِحَّتِهِ «لما أرسلَ النَّبِيُّ ﷺ رسولا إلى مَلِكِ الرُّومِ، فَطَلَبَ مَنْ يُخْبِرُهُ بسيرتِه، وكانَ المُشرِكونَ أعداءَهُ، لم يَكونوا آمَنوا بِهِ فقالَ: "كيفَ الحربُ بَيْنَكُم وَبَيْنَهم قالوا: الحَرْبُ بَيْنَنا وَبَيْنَهُ سِجالٌ، يُدالُ علينا المَرَّةَ، ونُدال عَليه الأخْرَى. فقال: كذلك الرُّسُلُ تُبْتَلى، وتكونُ لها العاقِبَةُ» . فإنَّه كان يومُ بدرٍ نَصر الله المُؤمِنينَ، ثُمَّ يَوْم أُحُدٍ ابتُلِي المُؤمِنونَ، ثم لم يُنْصَرِ الكُفَّارُ بَعْدَها، حَتّى أظْهَرَ الله تَعالى الإِسْلامَ. فإنْ قِيلَ: ففي الأنبياءِ مَن قد قُتِلَ، كما أخْبَرَ الله تعالى في الآيات السَّابقَةِ أنَّ بَني إسرائيلَ يَقْتُلونَ النَّبِيِّينَ بِغيرِ الحَقِّ، وفي أهل الفُجورِ مَن يُؤتيهِ الله مُلكًا وسُلْطانا وَيُسَلِّطُهُ على المُتَدَيِّنينَ كما سَلَّط بُخْتَ نَصَّرَ عَلى بَني إسرائيلَ، وكما سَلَّطَ كفَّار المُشرِكينَ وأهلِ الكتابِ- أحيانَا- على المُسْلِمينَ قيلَ: أمَّا مَنْ قُتِلَ مِن الأنبياءِ فهم كمَنْ يُقْتَلُ مِنَ المُؤمِنينَ في الجِهادِ شَهيدا. قالَ تَعالى [آل عمران: ١٤٦-١٤٨]: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ - وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ - فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٦ - ١٤٨] ومعلومٌ أنَّ مَنْ قُتِلَ مِنَ المُؤمِنينَ شَهيدا في القتالِ، كان حالُه أكملَ من حالِ مَن يَموتُ حَتْفَ أنفهِ قالَ تَعالى [آل عمران: ١٦٩]: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩] ولهذا قال تعالى [التوبة: ٥٢]: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ [التوبة: ٥٢] أيْ: إما النصر والظفر، وإما الشهادة والجنة.
ثُمَّ إنَّ الدِّينَ الذي قاتَلَ عليه الشُّهَداء
1 / 257