Fasl Khitab
فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية (المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية)
Publisher
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢١هـ
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
Creeds and Sects
سُبحانَه هذه العَقيدةَ الجاهلية بقولهِ تَعالى في آخر سورة [الأنعام: ١٤٨-١٤٩]: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ - قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٨ - ١٤٩] تَفسيرُ هذه الآية: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا): حِكاية لفَنٍّ آخَرَ مِن أباطيلِهم. ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا﴾ [الأنعام: ١٤٨] لَمْ يُريدوا بِهذا الكَلامِ الاعتذار عَنِ ارْتكابِ القَبيحِ، إذْ لم يَعْتقِدوا قُبحَ أفعالِهم، بل هُم كما نَطَقَتْ بِهِ الآيات يحسَبُونَ أَنهَّمُ يحسِنوُنَ صُنعًا، وأنهم إنَّما يَعْبُدونَ الأصنامَ لِيُقَرِّبوهُم إلى الله زلْفى، وأنَّ التَّحريمَ إنما كانَ مِن الله ﷿، فَما مرادهُم بذلِكَ إلا الاحتجاجُ على أنَّ ما ارْتكَبوهُ حَقٌّ ومَشروع وَمرضيٌّ عند الله تَعالى على أنَّ المشيئةَ والإِرادةَ تُساوي الأمرَ، وتَسْتَلْزِمُ الرِّضى، كما زَعَمَتِ المُعْتَزِلَةُ، فَيَكونُ حاصِلُ كلامِهِم أنَّ ما نَرتكِبُهُ مِنَ الشِّركِ والتَّحريمِ وغيرِهما تَعَلَّقَتْ بهِ مَشيئَة الله تعالى وإرادَتُه، وكل ما تَعَلَّقَتْ بهِ مَشيئَته سبحانه وإرادَتُه فَهو مَشروعٌ ومَرْضِيٌّ عندَ الله تَعالى.
وبَعْدَ أنْ حَكى ﷾ ذلِكَ عَنهم، رَدَّ عَلَيْهِم بِقولِهِ عَزَّ مِنْ قائِلٍ ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٤٨] وهم أسلافُهُم المُشرِكونَ. وحاصِلُهُ أنَّ كلامَهم يَتَضَمَّنُ تكذيبَ الرُّسُلِ ﵈، وَقَدْ دَلَّتِ المُعْجِزَةُ على صِدْقِهِم.
أو نَقولُ حاصِلُهُ أنَّ ما شاءَ الله يَجِبُ، وما لم يَشَأْ يَمْتَنعُ، وكلُّ ما هذا شأنُه فلا تكليفَ بِهِ لِكونهِ مَشروطًا بالاسْتِطاعة، فَيَنْتُجُ أنَّ ما ارْتكَبَهُ مِن الشِّركِ وغيرِهِ، لَم يتكَلَّفْ بِتَرْكِهِ ولمْ يُبْعَثْ لَهُ نَبِيّ. فَرَدَّ الله تَعالى عَلَيهم بأنَّ هَذِهِ كَلِمَةُ صِدْقٍ أُريدَ بِها باطِلٌ، لأنَّهم أرادوا بِها أن الرُّسُلَ ﵈ في دَعْواهُمُ البِعْثةً والتكليفَ كاذِبونَ. وَقَدْ ثَبَتَ صِدْقُهُم بِالدَّلائِلِ القَطْعِيّةِ، ولِكَوْنهِ صِدْقًا أُريدَ بِهِ باطِلٌ، ذَمَّهُمُ الله تَعالى بِالتكْذيبِ. وَوجوبُ وُقوعِ مُتَعَلَّقِ المَشيئَةِ لا يُنافِي صِدقَ دَعْوى البِعثةِ والتكليفِ؛ لأنَّهما لإِظهارِ المَحَجَّةِ وإبلاغ الحُجَّةِ ﴿حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا﴾ [الأنعام: ١٤٨] أي نالوا عَذابَنا الذي أنْزَلْناهُ عَلَيْهم بتكْذيبهم،
1 / 241