إن تحويل هذه الأمة مما كانت عليه إلى ما صارت إليه ليس من الأمور الهينة، وأنا كلما تصورت في ذهني عظمة محمد بن عبد الوهاب ﵀ يتضاءل في نظري كثير من الشخصيات التي أنا معجب بها، فأنظر إليه بعين الإكبار والإجلال. نعم، كان في نجد جمود وشدة، لكنهما ناشئان عن عزلة النجديين في بلاد منزوية عن ممر الأمم، وأنا على يقين بأن اتصال نجد بالحجاز واتصال النجديين والحجازيين بحجاج الأقطار، وازدياد عدد الحجيج باستتباب الأمن ورسوخه، سيكون فيه خير عظيم للحجاز ونجد والعالم الإسلامي جميعًا.
وبعد فإن هذه الرسالة إحدى نظرات محمد بن عبد الوهاب إلى المرض العام الذي كان سكان الجزيرة العربية مصابين بأعراضه، والظاهر أنه جعلها رءوس أقلام ليتوسع فيها يومًا ما فلم يتيسر ذلك له وقد طبعت في الهند على اختصارها الذي جعلها بمقام فهرس للمسائل المائة التي خالف فيها رسول الله ﷺ أهل الجاهلية من الأميين والكتابيين، ولما رأى علامة العراق السيد محمود شكري الألوسي ﵀ اختصارها، وأدرك أنها ليست تأليفًا ولكنها مذكرة لتأليف، عمد إلى شرحها. ولا أعني شرح ألفاظها بل شرح معانيها، أي أنه أتم العمل الذي كان يريد المصلح النجدي العظيم أن يتمه.
ولما كان كتاب السيد محمود شكري الألوسي لا يزال مخطوطًا يخشى أن تجتاحه الجوائح، فقد رأى صديقي أديب العراق السيد محمد بهجة الأثرى - وهو خير من أنجبهم العلامة الألوسي - أن يجعل هذا الكتاب هديته إليَّ عند زيارته القاهرة في شهر صفر سنه ١٣٤٧ هـ، ورأيت من قدر هذه الهدية عندي أن أبادر إلى طبعها ووضعها بين أيدي الناس تعميما لفائدتها وأن أجعلها هدية المكتبة السلفية إلى سيد شباب هذه الدعوة الأمير فيصل السعود لأنه كما ورث حُماتها بآبائه ورث صاحب الدعوة نفسه من طرف أمه، فلم أجد أحدًا أولى بها منه. والله ولي التوفيق.
القاهرة: ١٢ ربيع الأول ١٣٤٧ هـ
محب الدين الخطيب
1 / 209