Fasl Fi Tarikh Thawra Curabiyya
فصل في تاريخ الثورة العرابية
Genres
وفي يوم 22 يوليو عقدت الجمعية جلسة أخرى، وكان اجتماعا قوميا أعظم وأشمل من الاجتماع السابق. فقد كان أشبه بمؤتمر وطني عام شهده نحو خمسة مئة من كبار المصريين وفي مقدمتهم الأمراء ورجال الدين، وقد انضم إلى الجمعية هذه المرة رؤساء العشائر من الأقاليم، فكانت بذلك تمثل الأمة المصرية أصدق تمثيل.
وقد تليت في الاجتماع فتوى شرعية من بعض العلماء مؤادها أن الخديو بانحيازه إلى العدو المحارب لبلاده يعد مارقا عن الدين.
ثم تداول المجتمعون في الموقف الحربي، وانتهوا إلى قرار بالغ الخطورة أجمعوا عليه، وذلك هو عدم الاعتراف بعزل عرابي باشا من نظارة الجهادية والبحرية، ووجوب استمراره للدفاع عن البلاد، وكذلك قرر المؤتمر عدم إطاعة أوامر الوزارة.
وهذان القراران في الواقع مضافا إليهما فتوى مروق الخديو من الدين هو بمثابة خلع توفيق من منصبه بإرادة الأمة. وإن في تكوين هذا المؤتمر الوطني على هذه الصورة، وفيما قرره لأبلغ رد على الذين يزعمون أن الثورة العرابية ما كانت إلا فتنة عسكرية لم تؤيدها الأمة، وأي تأييد أعظم من أن تقول الأمة بجميع طوائفها قولها الفاصل في موقف من أعظم مواقف الثورة، موقف الجهاد والذود عن كيان البلاد تحت راية زعيم الثورة أحمد عرابي؟
عين عرابي باشا محمود فهمي رئيسا لهيئة أركان حرب الجيش المصري، وكان من أكفأ رجال الهندسة الحربية في مصر. تخرج في مدرسة المهندسخانة ونبغ في الفنون الهندسية، ثم عين أستاذا لعلم بناء الاستحكامات في المدارس الحربية، وقد اشترك في حرب البلقان التي نشبت بين تركيا وروسيا سنة 1876 واكتسب خبرة عملية.
وقد وضع هذا المهندس الكبير خطة حكيمة للدفاع عن مصر كانت كفيلة بأن تصد الإنجليز، وتنقذ مصر من تدبيرهم وسوء مكرهم، لولا عوامل الدس والخيانة.
عين فهمي باشا خمسة مواقع رئيسية للدفاع، أولها في كفر الدوار، وثانيها في رشيد وثالثها بين رشيد وبحيرة البرلس، ورابعها في دمياط، وخامسها في الصالحية والتل الكبير، وكان الغرض من الموقع الأخير تحاشي هجوم الإنجليز من الناحية الشرقية لمصر.
وقد سد محمود باشا ترعة المحمودية بالقرب من كنج عثمان، ووضع المدافع على السد لحمايته، كما أنه وضع في خطته سد ترعة الإسماعيلية لمنع المياه العذبة عن الإسماعيلية والسويس وبورسعيد عند اللزوم، وسد قناة السويس نفسها لمنع اتخاذها قاعدة عسكرية للإنجليز.
ومن الصحائف المشرفة لمصر حقا تبرع البلاد لهذه الحرب، فإنه قل أن تجد في تاريخ الحروب حربا كهذه لم ينفق فيها قرش واحد من خزانة الدولة، بل قامت على ما بذل الشعب المصري طائعا من أقواته وأمواله لجيشه الباسل. فلقد أخذ مستر كلڨن جميع الأموال من الخزانة، ووضعها لدى الإنجليز في الإسكندرية.
محمود فهمي باشا رئيس هيئة أركان حرب الجيش المصري.
Unknown page