Farasha Wa Dababa
الفراشة والدبابة وقصص أخرى: مختارات قصصية من الأعمال القصصية الكاملة لإرنست
Genres
فقالت الأخت: أتركك؟ ومن لم يتركك؟ ألا تريدني أن أرتب الفراش؟ إني أتقاضى أجرا على ذلك.
قال المصارع وقد تغضن وجهه العريض الوسيم في تجهم هو أشبه بالبكاء: اتركيني أيتها العاهرة، أيتها العاهرة الصغيرة القذرة.
فقالت إذ هي تغلق الباب خلفها: أيها المصارع، يا مصارعي!
وفي داخل الحجرة، جلس المصارع على الفراش، ولا يزال يعلو وجهه ذلك التجهم الذي كان يحيله في الحلبة إلى ابتسام دائم يخيف النظارة الأماميين ممن يدركون حقيقة ما يشاهدون. وكان يردد لنفسه بصوت مسموع: «وهذا ... وهذا ... وهذا.» كان بوسعه أن يتذكر أيام نجاحه، ولم يكن قد مضى عليها سوى ثلاث سنوات. كان بوسعه أن يتذكر حلة المصارعة الثقيلة الموشاة بالذهب على كتفيه، في ذلك الأصيل القائظ من شهر مايو، حين كان صوته في الحلبة يختلف عن صوته إذ هو يجلس في المقهى، وكيف كان يصوب النصل المشرع الطرف المرهف إلى ذلك المكان الذي يسوده الغبار في أعلى كتف الثور، على كتلة العضلات السوداء ذات الزغب فوق القرنين العريضين مقوضي الأشجار، ذوي الطرفين المتشققين اللذين يهبطان إلى أسفل إذ هو يهم بقتل الثور، وكيف يغوص السيف في جسمه في سهولة مثل كومة من الزبد اليابس، وراحة يده تدفع مقبض السيف، وذراعه اليسرى تلتوي إلى أسفل، وكتفه اليسرى إلى الأمام، مرتكزا بثقله على ساقه اليسرى. أما تلك المرة فلم يكن ثقله على ساقه، كان ثقله على أسفل بطنه. وحين رفع الثور رأسه غاص القرن في جسده وتأرجح عليه مرتين قبل أن يجروه بعيدا. والآن إذا ما تأهب لقتل الثور في الحلبة - ونادرا ما يفعل - لم يكن في استطاعته أن ينظر إلى قرنيه، لكن ... أنى لأية عاهرة أن تدرك معاناته قبل أن يقدم على المصارعة؟ وما هي تجارب هؤلاء الذين يسخرون منه؟ أنهم جميعا عاهرات، ويدركون كيف يستغلون ذلك.
وفي أسفل، في حجرة الطعام، جلس الفارس ينظر إلى القسين. لو كانت هناك سيدات في الحجرة لتطلع إليهن، أما حين لا يكون هناك نساء فإنه يتسلى بالحملقة في أي أجنبي، إنجليزي مثلا. ولما لم يكن هناك سيدات ولا أجانب في الحجرة آنذاك، فقد أخذ يحملق في متعة ووقاحة في القسين. وبينما هو مشغول بالحملقة، نهض الدلال ذو الوجه المتميز وطوى منشفته وخرج تاركا نصف النبيذ في الزجاجة الأخيرة التي طلبها. ولو أنه كان قد دفع حسابه في الخان لكان قد أفرغ الزجاجة.
ولم يرد القسان على نظرات الفارس بمثلها. كان أحدهما يقول: «منذ عشرة أيام وأنا هنا أحاول مقابلته، وكل يوم أجلس في غرفة الاستقبال ثم لا يقابلني.» - ماذا يمكن أن نفعل! - لا شيء ... ماذا يمكن أن يفعل؟ لا يمكن معارضة السلطات. - لقد مكثت هنا أسبوعين دون فائدة. إنني أنتظر ولن يقابلني أحد. - إننا من أقاصي الريف. ماذا يهم مدريد من شأن جليقية؟ إن مقاطعتنا فقيرة. - وهكذا بدأت أفهم حقيقة ما قام به أخونا «باسيليو». - ما زلت لا أثق ثقة حقيقية في أمانة «باسيليو». - إن مدريد هي المكان الذي يتعلم المرء فيه كيف يفهم. مدريد تقتل إسبانيا. - لو أنهم يقابلون المرء ثم يرفضون. - كلا، يجب أن يهدموك ويبلوك بالانتظار. - حسن .. سنرى. يمكنني الانتظار مع الآخرين.
وفي هذه اللحظة، نهض الفارس منتصبا، وتوجه إلى مائدة القسين وتوقف عندها، برأسه الأسمر ووجهه الشبيه بالصقر، يحملق فيهما ويبتسم ...
وقال قس منهما لزميله: إنه مصارع ثيران.
فقال الفارس: «ومصارع بارع». ثم خرج من غرفة الطعام في حلته السمراء، أنيق الخاصرة، مقوس الساقين، يرتدي سراويل ضيقة فوق حذائه الريفي عالي الكعبين الذي يدق على الأرض إذ يترنح في انتظام رتيب وهو يبتسم لنفسه. كان يعيش في عالم من الكفاءة الذاتية، عالم صغير، محكم، مهني، من الاحتفال كل ليلة بالمشروبات الروحية، ومن الوقاحة. والآن أشعل سيجارا وأمال قبعته على زاوية من رأسه ومضى عبر القاعة إلى المقهى ...
وغادر القسان الغرفة توا بعد الفارس، في عجلة، شاعرين بأنهما آخر من بقي في حجرة الطعام. ولم يعد هناك في الحجرة غير «باكو» والساقي متوسط العمر. ونظفا الموائد وحملا الزجاجات إلى المطبخ.
Unknown page