كجلمود صخر حطه السيل من عل
إذ من المؤكد أن أي مصور أو نحات لا يستطيع أن يجمع في لوحة واحدة أو في تمثال واحد كل هذه الأوضاع التي يمكن أن يتخذها الحصان في كره وفره وإقباله وإدباره كجلمود صخر ينحدر على سفح ربوة.
هذا وقد استغل ناقدنا المرحوم إبراهيم عبد القادر المازني نظرية «لسنج» هذه في دراسته لفن الوصف عند ابن الرومي في المقالات التي كتبها عنه، وجمعت في كتابه «حصاد الهشيم» حيث أخذ يدلل على فطنة ابن الرومي الفنية باختياره في الوصف الشعري المواضيع التي يحذقها هذا الفن ويبذ فيها غيره من الفنون، ونعني بها «مواضيع الحركة» ذات المراحل المتلاحقة التي يستطيع الشعر وحده أن يصورها ويوحي بها في أضيق حيز، وقد اختار المرحوم المازني للتدليل على ذلك وصف ابن الرومي للخباز وهو يصنع الرقاق؛ حيث قال:
ما أنس لا أنس خبازا مررت به
يدحو الرقاقة وشك اللمح بالبصر
ما بين رؤيتها في كفه كرة
وبين رؤيتها قوراء كالقمر
إلا بمقدار ما تنداح دائرة
في لجة الماء يلقى فيه بالحجر
ففي هذه الأبيات الثلاثة استطاع ابن الرومي أن يصور صانع الرقاق في أوضاعه المتلاحقة؛ أي في لمحات متتابعة في الزمن لا في وضع مكاني محدد على نحو ما تستطيع عادة الفنون التشكيلية.
Unknown page