Fann Islami Fi Misr
الفن الإسلامي في مصر: من الفتح العربي إلى نهاية العصر الطولوني
Genres
وولاة مصر في العصر العباسي لم يكونوا كلهم عربا، فقد طغت على مصر الصبغة الفارسية التي طغت على بقية أجزاء الدولة العربية؛ إذ قامت الدولة العباسية على أكتاف الموالي، فاستعملهم خلفاؤها وقدموهم على العرب.
ولكن نفوذ الجند من الأتراك في خدمة البلاط العباسي ما لبث أن ظهر وأخذ في الزيادة؛ حتى أصبح بيدهم مقاليد الأمر، وعزل الخلفاء وتوليتهم، واستولوا على أكبر وظائف الدولة، فأصبح منهم الولاة والعمال، وقدم إلى مصر أول وال تركي الأصل سنة 846.
على أن الإمبراطورية العربية كانت من السعة بحيث استطاعت عوامل الضعف أن تتطرق إليها؛ فاستقلت بلاد الأندلس، وتبعتها بلاد المغرب؛ حيث نشأت عدة دويلات مستقلة، ولم يبق من بلاد شمال أفريقيا تابعا للخلافة العربية إلا بلاد إفريقية، التي تعرف اليوم ببلاد تونس. وما لبث هارون الرشيد أن رأى عجزه عن حكم هذه البلاد؛ لكثرة ثوراتها والفتن فيها؛ فأقطعها دولة الأغالبة التي ظلت تحكم الإقليم معترفة بسلطان اسمي لخليفة بغداد، وتدفع له جزية كانت في أكثر الأوقات اسمية.
1
أما مصر فقد جاء دورها نحو سنة 827، حين بدأ الخلفاء سنة إقطاعها أولياء عهدهم، ثم قواد الجند من الترك، ولكن هؤلاء القواد الذين كانوا يمنحون مصر طعمة سائغة، لم يكونوا يرغبون في البعد عن حاضرة الدولة وبلاط الخليفة وما فيهما من دسائس ومكائد، ولم يكن الخليفة نفسه يتوق إلى ابتعادهم عنه، خشية أن يعملوا على الاستقلال وشق عصا الطاعة؛ ولذا ترى أن هؤلاء الولاة لم يحكموا مصر بأنفسهم، وإنما كانوا يبعثون إليها بعمال من قبلهم، وكان هؤلاء يرسلون إليهم ما يتبقى من الخراج والجزية بعد دفع نفقات الدولة والإدارة، وكان أصحاب الإقطاع يدفعون إلى بيت مال الخليفة مما يتلقونه من مصر مبالغ كانت تتفاوت قيمتها.
وفي سنة 868 تقلد حكم مصر القائد التركي باكباك، فاستخلف عليها أحمد بن طولون الذي أسس فيها أسرة لعبت في التاريخ الفني لوادي النيل دورا كبيرا.
وقد كان طولون (والد أحمد) مملوكا تركيا من بلاد منغوليا، أرسله حاكم بخارى إلى بلاط بغداد، فظل يرتقي حتى صار قائدا لحرس الخليفة.
وولد أحمد بن طولون ببغداد في سبتمبر سنة 835، ثم هجر الخليفة المعتصم مدينة المنصور، وانتقلت الحكومة إلى سامرا (العاصمة الجديدة)؛ حيث تلقى ابن طولون علومه العسكرية، وأخذ - فضلا عن ذلك - بقسط وافر من العلوم الدينية، ثم وفد ابن طولون إلى مصر من قبل باكباك الذي كان قد تزوج أرملة طولون بعد وفاة زوجها.
ولما توفي باكباك ولى الخليفة على مصر قائدا تركيا آخر، كان ابن طولون قد تزوج ابنته؛ فثبتت بذلك قدم ابن طولون وزاد نفوذه، وأصبحت الإسكندرية تابعة له بعد أن كان لها حاكم مستقل عنه.
ثم كانت وفاة هذا الوالي الجديد إيذانا بفساد الأمر بين ابن طولون وبلاط بغداد؛ فأرسل أولو الأمر في العراق جيشا لإخضاع ابن طولون، وكان فشل هذا الجيش وعجزه عن التقدم إلى مصر مشجعا لأحمد بن طولون على المغالاة في مطامعه؛ فشق عصا الطاعة، وسير لإخضاع سورية حملتين، ومد سلطانه على جزء من آسيا الصغرى، فأصبح خطرا يتهدد الخلافة، وأحس بذلك الموفق أخو الخليفة وصاحب الأمر في الدولة، وكان قد انتهى من إخضاع ثورة الزنج، ورأى أنه بالرغم من ذلك لا قوة له على مواجهة ابن طولون؛ فعمل على مصالحته، غير أن مرضا أصاب ابن طولون أرغمه على ترك سورية والرجوع سريعا إلى مصر حيث توفي سنة 884.
Unknown page