Fann Islami Fi Misr
الفن الإسلامي في مصر: من الفتح العربي إلى نهاية العصر الطولوني
Genres
وذكر المقريزي في سبب هذا الانحراف: أن ابن طولون حين عزم على تشييد جامعه بعث إلى محراب جامع المدينة من أخذ سمته، فإذا هو مائل عن خط سمت القبلة المستخرج بالطرق الهندسية بنحو عشر درجات إلى جهة الجنوب؛ فوضع حينئذ محراب مسجده هذا مائلا عن خط سمت القبلة إلى جهة الجنوب نحو ذلك؛ اقتداء منه بمحراب مسجد الرسول، وقيل أيضا: إن ابن طولون رأى النبي
صلى الله عليه وسلم
في منامه يخط له المحراب، فلما أصبح رأى النمل قد طاف بالمكان الذي خطه له النبي، فبنى المحراب على خط النمل، وغلب عليه طويلا اسم: محراب النمل.
وقد وصل إلينا المحراب الطولوني بعد عمارة السلطان لاجين في حالة جيدة من الحفظ، فأجزاؤه القديمة وزخرفته تكاد تكون كلها موجودة، ويلاحظ أن عمق تجويفه في الجدران أكثر من عمق المحاريب الأخرى، ويكتنف هذا التجويف من كل من جانبيه عمودان متلاصقان ومرتد أحدهما عن الآخر، وتيجان هذه الأعمدة صناعتها بيزنطية، وبينها وبين الأبدان توافق وتناسب حسن، وأكبر الظن أنه لم يصنع من هذه الأعمدة خصيصا للمحراب إلا قواعدها، أما بقية أجزائها فقد جمعت من أبنية قديمة، والتيجان الأربعة من الرخام المفرغ، كل اثنين منها متشابهان، وصناعتها غاية في الدقة والإبداع، تتجلى في التزهير الموجود في اثنين منها، وفي عمل السلة والتوريق في التاجين الآخرين، مما يوهم الناظر أن ما يراه من الجص لا من الرخام.
وفي تجويف المحراب الكبير كسوة من ألواح من الرخام الملون، فوقها نطاق من الفسيفساء المذهبة، ولكن هذه الكسوة والفسيفساء يرجع عهدها إلى زمن السلطان لاجين الذي جدد الجامع في سنة 1295 م/696ه.
وإذا استثنينا زخرفة المحراب القديم التي سيأتي الكلام عليها، فإنه لم يبق في محاريب الجامع الطولوني ما يهمنا الآن الحديث عنه، ولسنا نريد أيضا الكلام عن الذي عمل بالمسجد من عمارات وتجديدات، وما حل به من صروف الدهر،
52
ويكفينا أن نكرر ما ذكرناه من أن الجامع الطولوني قد احتفظ تقريبا بكل تصميماته الأولى، وأصبح البناء الوحيد الذي توافرت فيه هذه الشروط في مصر وسورية قبل العهد الفاطمي. ويلخص الأستاذ بريجز
BRIGGS
أهميته لدى علماء الآثار في العبارة التي ختم بها حديثه عنه، ونصها:
Unknown page