الفصل السادس
النظم السياسية
مثلت النظم السياسية - ولا سيما ما نشأ عنها من صراع - دائما دورا عظيما في ثبات الأمم وفي انحلالها أيضا.
وتدل المشاهدة على أن هذه النظم تنشأ في الغالب عن بعض الضرورات العامة التي هي أعلى من العزائم بمراحل، وكان سلطان الضرورة قد اعترف به من قبل قدماء فلاسفة اليونان، فكان هؤلاء الفلاسفة يعلمون الحقيقة المنسية اليوم غالبا والقائلة إن الأمم ليست حرة في اختيار نظمها، ولكن مع اضطرارها إلى معاناة النظم التي يفرضها مزاجها النفسي والأحوال الخارجية.
وكان أرسطو يقول في كتاب «السياسة» بوجود صلة وثيقة بين أشكال الحكومة وحال المجتمع الاقتصادية والذهنية والخلقية التي دعيت الحكومة لإدارتها.
وعند بوليب أن سنة التحولات السياسية هي من الثبوت كالسنة التي تسيطر على الحوادث الطبيعية، وهل تنطوي هذه السنة - كتطور الحياة لدى الفرد - على زوال نهائي يقابل الحكم الديموقراطي ؟ يؤيد أفلاطون هذا.
وإذا ما انتقل من العالم اليوناني إلى العالم الروماني أبصر شأن الضرورة، وأبصر أيضا شأن الاضطراب الناشئ عن تصادم المصالح، ولم يبد نظام المدينة الرومانية قط ديموقراطيا حقيقة، فبعد حكومة ملكية قصيرة الأمد حكم في رومة في خمسة قرون من قبل سنات سيطر على العوام المستعدين للعصيان في الغالب حكما مطلقا، ومع ذلك فقد نال العوام في نهاية الأمر حق تقلد جميع المناصب القضائية، وإحداث محامين للشعب دفاعا عن حقوقه، فيقابلون بالرفض كل قانون يجدونه جائرا.
ومع ما بذله الرومان من جهود لم يستطيعوا منع المنازعات الاجتماعية، وقد أدت هذه المنازعات إلى ظهور طغاة إمبراطوريين بعد مذابح كثيرة كمذابح ماريوس وسيلا. •••
يحكم في العالم بالممكنات، لا بالمبادئ كما كان يعتقد مونتسيكو الذي قال عندما تكلم عن الرومان: «كانوا يتمتعون بسلسلة متصلة من السعادة حينما حكم فيهم وفق خطة وثيقة، وكانوا يقاسون سلسلة من النوازل حينما سيقوا إلى خطة أخرى.»
وتختلف الضرورات التي تعين نظم الأمم، وتتضمن الحياة الزراعية والحياة الرعائية والحياة التجارية والحياة العسكرية، إلخ، نظما ملائمة لمقتضيات هذه الأحوال المختلفة.
Unknown page