ولهذا المؤلف ملاحظات أخرى تدل على أن الأمر الاستثنائي لا يحفظ أحسن مما تحفظ الأمور اليومية، ومن الواضح أن من غير الاعتيادي تماما أن يوغل رجل مقنع لابس ثوبا غريبا ويقفز في المدرج حيث يلقي أستاذ درسه، فالدكتور كلاباريد الذي نظم هذا المنظر من غير أن يخبر به أحدا، طلب من التلاميذ أن يقدموا خطيا سلسلة من الأجوبة في وصف ذاك الرجل، وكان الخطأ الذي اقترف في ذلك عظيما، ومن ذلك أن أشار الشهود إلى جزئيات في الثوب غير موجودة، كالجزمة
1
الكبيرة والسروال ذي الترابيع، إلخ.
ثم أدخل بعض التلاميذ إلى بهو حيث كان عدد من المنكرين الشديدي التباين بلحى وغير لحى وأنوف قنو وأنوف قعو،
2
إلخ، فكان يظهر بينهم ذلك الرجل الذي برز بغتة في ذلك المدرج، فلم يعرفه غير ستة نظار، ولكن بتردد، من بين ثلاثة وعشرين.
ومما لا ريب فيه أنه كان يجتنب في جميع المسائل المطروحة، وهو ما يصنعه قضاة التحقيق على قلة تلك التي يمكن أن يلقن بها الشاهد، فالسؤال عن أن شعر المتهم لم يكن أشقر هو غير السؤال عن لون شعره فقط. •••
ومن المباحث السابقة استخلص مسيو كلاباريد نتائج كثيرة، وإليك خلاصتها: «كلما قل تذكر حادث عظم الميل الجماعي إلى الشهادة حوله.» «والذي يحفز الشاهد على الجواب هو احتمال وجود الشيء أكثر من جلاء تذكره.» «وبجانب الميل إلى إنكار ما هو موجود يوجد ميل إلى توكيد ما هو غير موجود، وهل فصل هذا كذلك أيضا؟»
ودقة الشاهد في مسألة لا تدل على صدقه في مسائل أخرى، والعكس هو الواقع.
قال كلاباريد أيضا: «إذا ثبت أن شاهدا أدى جوابا صائبا كان احتمال صواب الأجوبة الأخرى ضعيفا جدا، ولكن هذا الاحتمال يكون أضعف من ذلك أيضا إذا ما أدى جوابين صائبين، ويظهر أنه يوجد للقدرة على الشهادة حد طبيعي لا يستطيع متوسط الأفراد أن يجاوزه، شأن القدرة على القفز عاليا مثلا ... وبثلاثة أجوبة صائبة من سبعة يلوح بلوغ شاهد متوسط حد قدرته على الشهادة الصحيحة.» «وفي الشهادة الجماعية ليس الجواب الصائل هو ما يبلغه دائما معظم الأصوات النسبي.» «ويسلم المؤرخون بأن اتفاق كثير من الشهود المستقلين دليل على الصدق، وعلى العكس تدل تجارب علم النفس على أن الاختلاف الفردي كلما عظم، وجد مع ذلك بعض المناحي التي تسيطر على روح جميع الأفراد، فيمكن أن يحدث اتفاق على الخطأ حتى لدى الشهود الذين يسير كل واحد منهم مستقلا عن الآخرين.» •••
Unknown page