206

Falsafat Cilm

فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية

Genres

الحل المقترح «أي نظرية جديدة». (3)

استنباط القضايا القابلة للاختبار من النظرية الجديدة. (4)

الاختبار، أي محاولة التفنيد بواسطة الملاحظة والتجريب، من ضمن وسائط أخرى. (5)

الأخذ بأفضل الحلول، أي النظرية الأفضل من بين مجموعة النظريات المقترحة المتنافسة.

والعالم حينما يدرس موقف مشكلة، فهو بهذا يحاول مواصلة مسار طويل يستند على كل حصيلة البشر، البدء من الصفر استحالة، وإن أمكن فإن حياة العالم لن تسفر عن تقدم أكثر مما أحرزه آدم، أو بعبارة علمية: أكثر مما أحرزه إنسان نياندرتال. وهذه واقعة يرفض كثيرون من ذوي المنعطفات الجذرية والمستقلة في حياتهم أن يقبلوها. في العلم يجب أن نحرز تقدما وهذا يعني أننا نقف على أكتاف الأجيال السابقة . العالم معقد لدرجة كبيرة، ونحن لا نعرف من أين ولا كيف نبدأ تحليله، إننا نعرف فقط من أين وكيف بدأت المحاولات السابقة، وأنها محاولات إقامة بناء العالم خلال إطار معين، وهي أطر لم تكن محكمة كثيرا. نحن نحاول أن نجعلها أكثر إحكاما بأن نطورها، فنستبدل بها محاولات أقرب إلى الصدق، والمحاولات مستمرة على صورة تلك الصياغة في طريق التقدم المستمر.

المعرفة، في هذا المسار الطويل والبادئ منذ إنسان نياندرتال حتى اليوم، تمر بمرحلتين، هما مرحلة التفكير الدوجماطيقي القبل علمي ومرحلة التفكير النقدي «العلمي».

مرحلة التفكير الدوجماطيقي أي القطعي الجامد الجازم تتمثل في الحضارات البدائية «السابقة على حضارة الإغريق» بتعبير بوبر! فهو يجهل تماما الميراث المشرقي العظيم وكل ما هو خارج حدوده الغربية التي صنعت العلم الحديث! على العموم الحضارات مهما كانت بدائية لها موقف معرفي يتمثل في تفسير العالم بواسطة الأساطير والخرافات، والتمسك بها يكون قطعيا صارما حيث يعتبر الشك أو النقد جريمة، بعبارة أخرى لا تمارس الخطوة «أ أ» لا تستبعد الخطأ، وبالتالي لا تخرج بجديد «م2»، وطالما أنه لا تغيير للاعتقاد الخاطئ، فإن المخطئ يهلك بهلاك عقيدته الخاطئة، فكان التقدم - كما يقول بوبر - مأساويا وخطيرا إن أمكن أصلا. وهنا نتوقف هنيهة لنقول: لو كان بوبر قد اطلع مثلا على شكوك قدماء المصريين في الآلهة ونقدهم للديانات والأفكار المطروحة وعلى تقدمهم العلمي لما قال هذا، ولما جرؤ على ضم هذه الحضارات إلى المرحلة البدائية، ولما واصل طريقه ليعتبر الإغريق هم الذين بدءوا مرحلة التفكير العلمي النقدي، والنقد ذاته من اكتشاف المدرسة الآيونية، أول مدرسة فلسفية إغريقية حيث ينقد أنكسمندر أستاذه طاليس ويطرح فرضا أفضل.

المهم أن التفكير العلمي هو ذاته التفكير النقدي، ربما يصنع العلم أساطير، لكن الأساطير تظل ثابتة على حالها دائما بسبب التفكير الدوجماطيقي، أما الاتجاه النقدي للعلم فيغير الأساطير في اتجاه التقدم والاقتراب الأكثر من الصدق؛ لأن النقد يحذف الخطأ ويقلل دوما نطاقه، وكما يقول بوبر: ليس التعاقب بين المرحلتين زمانيا أو حادا قاطعا، فكل إنسان - حتى العالم نفسه - يعيش في إسار توقعاته وجهازه المعرفي بقدر من الدوجماطيقية ولا يخرج منها إلا حينما يحاول النقد واستبعاد الخطأ، كما أن العلاقة بين المرحلتين تبادلية، فإذا كانت المرحلة النقدية ضرورية للمرحلة الدوجماطيقية كي تقيها شر هلاك محتوم، فإن المرحلة النقدية أيضا في حاجة إلى قدر من الدوجماطيقية حتى في البحث العلمي ذاته. فالعالم - أثناء اختبار نظريته - لا بد أن يستمسك بها استمساكا دوجماطيقيا إلى حد ما، فلا يتخلى عنها بسهولة، كما أن الدفاع عنها في مواجهة النقد من شأنه أن يطورها ويحسنها في معركتها من أجل البقاء.

ولعلنا لاحظنا أن منهج تطور العلم ذاته يماثل إلى حد كبير ما أسماه دارون بالانتخاب الطبيعي، إنه الانتخاب الطبيعي بين الفروض. العلم يتكون دائما من تلك الفروض التي أوضحت ملاءمتها في حل المشاكل وصمودها أمام النقد، إنها الفروض التي ناضلت للبقاء حتى الوقت الراهن، كما أنها استبعدت تلك الفروض الأضعف منها، أو التي حاول واضعوها أن يعدلوها ويكيفوها، فلم يكن تكييفا مطابقا للمطلوب، وحكمت عليها الفروض الأقوى بالفناء، وبوبر في هذا تطوري داروني وليس لاماركيا.

ذلك أن ثمة نظريتين لتفسير التطور البيولوجي، الأولى هي نظرية العالم الفرنسي جان لامارك

Unknown page