109

Falsafat Cilm

فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية

Genres

كومبتون)،

19

هكذا نجد هنا ظاهرة تقتضي التفسير الجسيمي للضوء والإشعاع، ولكن ظاهرة التداخل مثلا وهي من أهم خواص الإشعاع ستظل أولا وأخيرا خاصية موجية، وتظل الموجة متميزة بها عن سيال الجسيمات، ومثلها أيضا ظاهرة الحيود في الضوء،

20

والخلاصة أن بعض الظواهر تقتضي تفسيرا جسيميا للضوء والإشعاع وبعضها الآخر يقتضي تفسيرا موجيا.

بدا وكأنه لا توجد وسيلة للتوفيق بين النظرتين المتناقضتين، حتى تقدم لويس دي بروي في رسالته للدكتوراه عام 1917م - التي أنجز بعض فصولها في خنادق الحرب العالمية الأولى - وأعلن أن الضوء مكون من جسيمات ومن موجات، ولأول مرة نقل هذه الفكرة إلى ذرات المادة، فأصبح كل جسيم صغير من المادة مقترنا بموجة على أساس رياضي دقيق، هكذا بدأ العقل العلمي عصر التفكير المزدوج، وأصبحت طبيعة الضوء جسيمية وموجية في آن واحد، وكذا المادة، ويخبرنا دي بروي أن هذا أمر قد يبدو بالغ الصعوبة إذا فكرنا بمفاهيم الفيزياء الكلاسيكية وبحثنا عن الحتمية، ولكنها تبدو واضحة وبسيطة عندما ندخل الاحتمالات بصورة منتظمة في صلب الظواهر الأولية، ونضع موضع الاعتبار في وصف الظواهر نواحي تكميلية معينة، فالمادة التي افترضها دي بروي هي توزيع لاحتمال وجود الفوتونات على المكان، بحيث إن فكرة الاحتمال هنا أساسية.

وبفضل توالي أبحاث العلماء تجددت في عام 1927م بالنسبة إلى الإلكترون الثنائية الموجية الجسيمية التي ثبتت في عام 1917م بالنسبة للضوء، فلم تقتصر على الضوء، بل توسع هذا الازدواج بين الأمواج والجسيمات حتى يشمل كل عناصر المادة وعلى الأخص الإلكترونات، فطبقت على كل عناصر المادة تصورات الاحتمال واللاحتمية ، وعدم التحديد واللافردية والمظاهر التكميلية.

21

والآن لم يعد ثمة تعارض بين المادة والطاقة، أو الذرة والإشعاع، ولا من أن الطاقة مع بقائها دائما يمكن أن تنتقل من حالة المادة إلى حالة الضوء والعكس، ونعلم اليوم أن هذا هو الواقع بالفعل، فقد أصبح الضوء باختصار أنقى أشكال المادة وأكثرها تحررا من القصور والشحنة. لقد سقط الحاجز الذي بدا كما لو كان فاصلا بين الضوء والمادة، في حين أنهما معا ليسا إلا مظهرين مختلفين للطاقة، يمكن أن يأخذ أحدهما مظهر الآخر.

فتحت الميكانيكا الموجية الباب اللاحتمي على مصراعيه؛ لتنطلق الفيزياء في طريق التقدم بسرعة مذهلة، فجاء إيرفين شرودنجر عام 1925-1926م؛ ليأخذ بآراء دي بروي، ويضع معادلة تفاضلية أصبحت أساسا رياضيا في نظرية الكوانتم، وأتاحت لعالم الفيزياء أداة رياضية قوية، ثبت بها الاتحاد بين صورتي الميكانيكا الجديدتين: ميكانيكا الكوانتم والميكانيكا الموجية.

Unknown page