Falsafat Cilm
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Genres
وهكذا يحل الكوانتم المشكلة ببساطة ويبقى ليحكم الميدان.
لقد استطاع الكوانتم أن يحل هذه المشكلة أو تلك في هذا الميدان أو ذاك؛ لأنه استطاع قبلا أن يجتاح العالم الذري بأسره، ففي عام 1913م كان مفهوم بلانك الألمعي المدهش قد تدعم بالعديد الجم من الوقائع، وفي هذا الوقت جاء أهم تطبيق للكوانتم؛ وهو نظرية الذرة عند نيلز بور
Niels Bohr (1855-1962م)، حيث توحد أخيرا اتجاها التطور: اتجاه نظرية الذرة واتجاه نظرية الإشعاع؛ إذ رأى بور أن الوصف الكامل للظواهر يتطلب كليهما، بعد أن كانت الفيزياء الكلاسيكية ترى أنهما يستبعدان بعضهما، فالظاهرة إما ذرة وإما إشعاع. رفض بور هذا، ووضع مبدأه المعروف باسم مبدأ التكامل
Complementary
الذي لبى الاحتياج لكلا المفهومين بغير أن يتصادما أو يتعارضا، بل يتحدا ويتآلفا.
كان قد اتضح أن الذرة ذاتها ينبغي أن تعد مجموعة من الجسيمات الأصغر منها، والتي مع هذا تتماسك بقوة تجعل الذرة تسلك بالنسبة لجميع التفاعلات الكيميائية كوحدة ثابتة، فكانت الفيزياء النظرية السابقة على عصر الكوانتم تعلم أن للذرة تركيبا داخليا هو ذلك الذي قام به العالم الروسي مندلييف في أواخر القرن التاسع عشر، ثم ربط العالم الإنجليزي إرنست رذرفورد بين هذه الكشوف الكيميائية وبين كشف الإلكترون، ووضع الأنموذج الكوكبي الشهير للذرة بوصفها مؤلفة من نواة يدور حولها عدد معين من الإلكترونات، كأنها الكواكب تسير في مداراتها. والعلماء بالطبع لا يستطيعون اختراق الذرة، ولكن يكشفون عن بنيتها عن طريق ملاحظة الظواهر الناجمة عن هذه البنية، ومن بين هذه الظواهر أطياف الأشعة الكهرومغناطيسية التي تنبعث من الذرة أو من مكوناتها تحت ظروف اضطراب حراري أو كهربي معينة، وهذه الأشعة تعد بحق مميزة للذرة التي تنبعث عنها، فهي تناظر الأحداث التي تحدث داخلها فيمكن أن تعلمنا الكثير عن بنية الذرة، من هنا كان تصنيف الأطياف ودراستها دراسة منهجية هي مهمة كبرى للفيزيائيين، وقاموا بجهود ضخمة في هذا الصدد ووصلوا إلى نتائج هامة، وهذا منذ أن تمكن هيرشيل في عام 1832م من التمييز بين المواد الكيميائية المختلفة عن طريق معرفة الأطوال الموجبة للضوء المنبعث منها. وفي السنوات التالية لذلك تمكن العالمان الألمانيان روبرت فيلهلم بانسين وجوستاف روبرت كيرتشوف من تصنيف أطياف عدد كبير من الموجات وتسجيلها في كتالوجات خاصة. وفي عام 1868م درس الفلكي الإنجليزي جوزيف لوكير الطيف الشمسي المجهول واكتشف غاز الهيليوم، كما أنه درس بالتفصيل طيف ذرة الهيدروجين،
13
وتوالت الجهود المماثلة. وكما يقول لويس دي بروي، بدت الأفكار الكلاسيكية عاجزة تماما عن تفسير القوانين الطيفية التي نجح الفيزيائيون بعد جهد ومثابرة في استخلاصها.
وكان طوق النجاة في نظرية الكوانتم، ألقى به نيلز بور، وهو دانمركي، لكنه سافر عام 1912م - بعد حصوله على الدكتوراه - إلى إنجلترا وعمل في كمبردج مع ج. طومسون ثم اتجه إلى مانشستر وعمل مساعدا لرذرفورد، وقبل أن يعود إلى كوبنهاجن عام 1916م، وبالتحديد في عام 1913م طرح نظريته التي توضح أن أنموذج الذرة عند رذرفورد ينبغي أن يرتبط بكوانتم الطاقة عند بلانك،
14
Unknown page