غير أن سقراط وإن أصاب في أن أساس المعرفة الفضيلة فلا يكون المرء فاضلا حتى يقصد الخير ويأتيه وهو عالم به، قد أخطأ في زعمه أن معرفة الخير تبعث على عمله، ومعرفة الشر تباعد بين المرء وبينه لا محالة.
ويكفي لرد هذا الرأي أن نسوق بعض ما ذكره العلامة «سانتهلير» في هذا المعنى حين يقول في مقدمة لترجمة كتاب الأخلاق لأرسطو:
ليس ما يقع الإنسان فيه من الإثم ناشئا عن خطأ في الموازنة بين اللذة الحاضرة والآلام المستقبلة التي هي أكبر منها كما يعتقد سقراط، ولا ناشئا عن جهل بطبائع الأشياء، إنما منشؤه فساد في الخلق يحمل الإنسان على تفضيل الشر على الخير وهو عالم بهما وبكليهما جميعا، فإن الشرير لا يجهل البتة ما يفعل من سوء، بل هو على الضد من ذلك يعجب من نفسه فيما هو سادر فيه من الرذيلة ... لأنه إذا كان يجهل ما يفعل فليس بمجرم ولا مسئول أمام الناس ولا أمام الله، وحينئذ بهذه المثابة لا تكون الفضيلة والعلم متماثلين، فقد يعلم الإنسان ولا يعمل، وقد يعمل ضد ما يعلم ... إذا كانت الفضيلة في الواقع هي العلم، وجب على الإنسان أن يقتصر على أن يعلم ليكون فاضلا، وبذلك تتضاءل الحياة الأخلاقية إلى مجرد النظر والتأمل.
6
والخلاصة، بعد ما تقدم من بسط كل مذهب ونقده، أننا لا نعدو الصواب إذا قلنا: إن الباعث هو «الغاية التي تتفق مع العالم الذي تظهر فيه.» هذه الغاية قد تكون لذة أو عاطفة وجدانية أخرى، كالكره والحقد اللذين يبعثان على كثير من الأعمال، كما قد تكون أمرا عقليا يتناسب مع العالم الذي نعيش فيه، كالوصول لقوانين عقلية في المنطق والرياضيات مثلا. (4) الضمير
تعريفه، الدور الذي يقوم به، مظاهره، ماهيته، إمكان تربيته، درجاته (4-1) تمهيد
عن وابصة بن معبد - رضي الله عنه - أنه قال: أتيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم
فقال: «جئت تسأل عن البر؟ قلت: نعم، قال: البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك.»
وجاء في كلام الغزالي، في كتاب الإحياء في باب المحاسبة والمراقبة:
Unknown page