ويطلبون منهم أن ينتظروا النعيم المقيم، على هذه الأرض، متى صحت نبوءتهم عن زوال الطبقات الاجتماعية؛ فإن زالت الطبقات الاجتماعية في هذه السنة أو بعدها ببضع سنوات فتلك بداية الفردوس الأبدي، الذي يدوم ما دامت الأرض والسماوات، وتنتهي إليه أطوار التاريخ كما تنتهي بيوم القيامة في عقيدة المؤمنين بالأديان.
ولا يكلف دين من الأديان أتباعه تصديقا أغرب من هذا التصديق، ولا تسليما أتم من هذا التسليم.
ولا يخلو دين الفلسفة المادية من شيطانه؛ وهو «الرأسمالية» الخبيثة العسراء.
فكل ما في الدنيا من عمل سوء، أو فكرة سوء، فهو كيد من هذا الشيطان الماكر المريد.
وكل ما فيها من عمل سوء أو فكرة سوء يزول ويحول، وتحل في مكانه بركات الفلسفة المادية ورضوانها، متى صار الأمر إلى ملائكة الرحمة، وذهب ذلك الشيطان إلى قرارة الجحيم.
ولما طبقت هذه العقيدة في البلاد الروسية - على أيدي أصحاب الفلسفة المادية - خيل إليهم أنهم ظفروا بحقيقة الحقائق واستغنوا بها عن كل ما اعتقده الإنسان في جميع الأزمان، ولا سيما عقائد الأديان والأوطان.
وادخروها للزمن كله، بل للأبد كله ... ولكنهم لم يصطدموا صدمتهم الأولى في الحرب العالمية الأخيرة حتى أفلست «عقيدة الأبد» كل الإفلاس، ولجئوا إلى الوطن يستعيدون مثله، وإلى الديانة يستجدونها ويتمسحون بها، فنادوا «بالجهاد القومي» ورحبوا بالصلوات في المعابد، وشجعوا المصلين على ارتيادها، واجتمع رؤساء القساوسة في حضرة زعماء المذهب الشيوعي؛ ليعلنوا العودة بمجلس الكنيسة إلى نظامه القديم.
وفحوى هذه العبرة البالغة أن أسرار العقيدة أعمق وأصدق مما يدور بأوهام منكريها، وأنها ذخيرة من القوة وحوافز الحياة تمد الجماعات البشرية بزاد صالح لا تستمدها من غيرها، وأن هذه الذخيرة «الضرورية» خلقت لتعمل عملها، ولم تخلق ليعبث بها العابثون، كلما طاف بأحدهم طائف من الوهم، أو طارت برأسه نزعة عارضة، لا تثبت على امتحان. •••
وفي هذا العصر الذي تتصارع فيه معاني الحياة بين الإيمان والتعطيل، وبين الروح والمادة، وبين الأمل والقنوط، تلوذ الجماعات الإسلامية بعقيدتها المثلى ولا تخطئ الملاذ؛ لأنها عقيدة تعطيها كل ما يعطيه الدين من خير، ولا تحرمها شيئا من خيرات العلم والحضارة.
وهذا الذي نرجو أن نبينه في هذا الكتاب.
Unknown page