ويقوم مذهب شوبنهور على الإرادة والفكرة، ولكن الإرادة عنده هي مصدر الشر كله في الكون وفي الإنسان، والإرادة في الكون توحي إلى إرادة الإنسان أن يستأثر لنفسه بالمتعة ويعاني ما يعانيه من الطلب والكفاح، ولا يزال أسيرا لهذه الإرادة التي تعزله عن كل ما حوله حتى يخلص إلى عالم الفكرة فينجو من الأثرة الفردية، وينتقل إلى عالم السكينة و«العموم» الذي لا تنازع فيه بين أجزاء وأجزاء، ولا بين إرادة وإرادة.
فكلما كانت هناك إرادة فهناك شر، وكل تقدير في رأيه فهو على هذا تقدير شرور لا يتأتى الفكاك منه بغير الخروج من عالم التقدير. •••
ولا يزال فلاسفة العصر يخوضون في مباحث هذا الموضوع على تفاوت كبير بين القول بالجبر، والقول بالحرية الإنسانية، ومنهم من يقول بأن الإنسان يشترك في التقدير، ويخضع له؛ لأنه جزء من عناصر الطبيعة التي تفعل فعلها في الأحداث الكونية، ولا يقتصر أمرها كله على الانفصال.
ولكن الفلسفة لا تستأثر بمباحث هذا الموضوع في القرون الأخيرة؛ لأن نهضة العلوم الطبيعية قد أدخلت هذه المباحث في نطاقها، ولا سيما علم النفس الذي يعتمد على تجارب تلك العلوم.
وقد كان أول مدخل للعلوم الطبيعية في هذه المباحث الفلسفية من جانب علم الفلك، أو جانب الرياضة على الإجمال، بعد القول بدوران الأرض حول الشمس واعتبارها سيارا من السيارات الشمسية يجري عليها ما يجري على غيرها من أفلاك السماء ولا تخص بالوقوف في مركز الكون كله سواء في المكان أو في جلالة الشأن وحساب الخلق والتقدير.
فأخذ العلماء منذ القرن السادس عشر يقررون أن «القانون الآلي» هو ملاك النظام في هذا الوجود، وأن هذا القانون عام شامل لا يأذن باختلاف ولا استثناء، فلا محل فيه لتصرف الأقدار بالتبديل والتحويل.
ولكن «القانون الآلي» مع هذا لم يبطل القول بالعناية الإلهية أو بالتقدير الإلهي عند المؤمنين من العلماء الرياضيين أو الطبيعيين الذين يقبلون القول بالنظم الإلهية، والقوانين الشاملة لفلك الأرض وسائر الأفلاك.
فكان ديكارت يفصل بين عالم المادة وعالم الروح، ويرجع بقوانين الكون الحسي إلى المادة والحركة، ولكنه يعزل عالم الروح عن سلطان هذه القوانين.
وكان نيوتن يفسر حركات الأفلاك بقانون الجاذبية وبعض قوانين الحركة، ولكنه يسمي الجاذبية نفسها روحا
spirit
Unknown page