Falsafa Ingliziyya Fi Miat Cam
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
Genres
durée » عند برجسون) خلاقا فيها؛ ليتيح لكل ما تنطوي عليه أن ينمو فيها عضويا، وأن يكشف عن ذاته بالتدريج. وكلما كانت الفكرة التاريخية أعقد وأكثر عينية، كانت أقدر على الامتداد خلال فترة زمنية أطول. ولا يشك نيومان، من جانبه، في أن الفكرة المسيحية تفوق بكثير كل الأفكار الأخرى تعقدا وعينية، وبالتالي خصبا في تطورها التاريخي، وقد أثبت هذا الموقف الأساسي فعاليته بوجه خاص في موضوع تاريخ العقيدة، الذي طبقه نيومان عليه بطريقة مثمرة إلى أقصى حد، وإليه قبل غيره يرجع الفضل في تحول مفهوم «العقيدة
Dogma » الجامد إلى وجهة نظر عضوية أكثر حيوية، لم تجرؤ حقا على زعزعة سلطة العقيدة وطابعها الإلزامي، وادعائها امتلاك حقيقة تسمو على الزمان، ولكنها لقيت قبولا واسعا نظرا إلى نسبتها التاريخية، وبالتالي ارتباطها الحيوي بتطور الذهن.
ولقد اكتملت نظرية نيومان في تطور الأفكار عامة، وتطور المذهب المسيحي خاصة، على نحو يحفظها من جمود التعصب ومن النزعة المذهبية الفارغة، والعنصر الآخر في نظريته هو التمييز الهام الذي يقول به بين التطور (
dev. ) الأصيل أو السليم، والتطور الزائف أو الباطل، ويطلق نيومان على النوع الأخير اسم: فساد الفكرة، وهو يخصص الباب الثاني والأكبر من كتابه لمناقشة مفصلة زاخرة بالأسانيد للعلاقة بين التطورات الأصيلة لأي مذهب، والتطورات المفسدة له. وهو هنا يهتم بمسألة المعايير التي يمكننا أن نميز بها التطور الأصيل من الزائف، وظاهرة التقدم الحقيقي من ظاهرة التأخر، وهو يضع نظرية لهذه المعايير بشيء من التفصيل، فهناك بوجه خاص سبع صفات تدل على أن الفكرة تنمو عضويا، ولم يدب فيها الفساد بعد. فالفكرة تكون كذلك إذا كانت: (1) تحتفظ بشكل نموذجي واحد، (2) وتكشف عن مبادئ محفوظة على الدوام، (3) وتظل لها القدرة على الاستيعاب أو التمثل
assimilation ، (4) وتستبق بداياتها الأولى مراحلها التالية، (5) وتكون أوجهها المتأخرة قادرة على تبرير أوجهها المتقدمة ودعمها، (6) وعندما تتمكن من الاحتفاظ بمضمونها الأصلي، وبالتالي بعث حياة جديدة فيه على الدوام، (7) وأخيرا، عندما تكون لها حيوية باقية طوال مراحلها. وإن توافر هذه الشروط في المسيحية (ولا سيما تلك الفكرة التي تدعو إليها كنيسة الروم الكاثوليك عن المسيحية) بدرجة أعلى مما تتوافر في أية حركة أخرى في التاريخ، وكونها قد استطاعت حتى الآن أن تتغلب على جميع الاتجاهات التي هدفت إلى القضاء عليها، وتغلبت ظافرة على كل المؤثرات المفسدة؛ لهو في نظر نيومان الدليل الكافي على أن المسيحية ستحتفظ في المستقبل أيضا بقدرتها على الحياة، بل وسوف تتمثل أيضا على أنها قوة حية في الذهن، تشهد رسالتها التاريخية في الماضي بعظمتها أبلغ شهادة وأعمقها. •••
وإذا استثنينا نيومان، الذي كان المفكر الوحيد المنتمي إلى الصف الأول من بين رجال «حركة أكسفورد» فلن نجد إلا شخصية واحدة في هذه الحركة كانت لها ميول فلسفية قوية وقدرة على التفلسف، تلك هي شخصية «وليام جورج وورد
William George Ward »، (1812-1882)، ولقد ساهم وورد، الذي كان ينتمي إلى الجناح الأكثر تطرفا في الحركة، بدور كبير في فصل الحركة عن الكنيسة الإنجليكانية، وتم تحوله نهائيا إلى الكاثوليكية حتى قبل نيومان ذاته (في سبتمبر 1845)، وقد حاول وورد أن يعبر تعبيرا رسميا دقيقا ومنهجيا عن تلك العناصر التي كانت بالنسبة إلى نيومان كشفا فلسفيا ارتفع من أعماق روحه إلى مستوى التفكير الواضح. ولم يكن وورد أكثر ميلا من نيومان إلى العودة إلى المدرسية لاستمداد الوحي منها، ولكنه كان أوثق ارتباطا بالاتجاهات الفكرية المعاصرة له، والتي كانت صلته بها متينة، سواء عندما كان يعارض أفكارا سائدة في عصره أو عندما كان ينتفع بمعونتها. وقد عرض برنامجه الديني في كتابه: «المثل الأعلى لكنيسة مسيحية
The Ideal of a Christian Church » (1884)، وهو مؤلف يوازي «تطور المذهب المسيحي» عند نيومان. وقد تضمن هذا الكتاب أقوى، وربما أول، تعبير عن اتجاهات الكثلكة في حركة أكسفورد؛ ومن ثم فقد كان يمثل نقطة تحول في تاريخها. وقد مهد بطريقة قاطعة للانفصال الذي حدث بعده بعام واحد. ولقد كان العامل الذي دفع وورد، وكل من جاروه في معارضته المتزايدة للبروتستانتية، هو المثل الأعلى للتقوى الزاهدة، وفكرة الحياة المسيحية وقد تحولت إلى الباطن وأصبحت لها قداسة، وهي فكرة استحوذت عليهم تماما. فكان من الطبيعي أن تؤدي بهم هذه المعارضة آخر الأمر إلى تحولهم الصريح إلى هذا النوع من الإيمان، وإلى الكنيسة التي رأوا مثلهم العليا هذه تتحقق فيها على أفضل نحو، وأهم المؤلفات التي عرضت فيها آراء وورد الفلسفية، مؤلفان تاليان: أحدهما هو رسالته «في الطبيعة واللطف الإلهي
On Nature and Grace » (1860)، والآخر سلسلة طويلة من الأبحاث ظهرت في مجلة «دبلن ريفيو
Dublin Review » (التي كان هو ذاته مشرفا على تحريرها)، فيما بين عامي 1867 و1893، ونشرت بعد وفاته في مجلدين عنوانهما «بحوث في فلسفة مذهب الألوهية
Unknown page