Falsafa Hindiyya Muqaddima Qasira
الفلسفة الهندية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
بعد قرنين من حياة ناجارجونا، ظهرت مدرسة مهمة لا تنتمي لفكر مدرسة المادياماكا، وكانت هذه المدرسة هي شيتا ماترا («العقل فقط») أو يوجا كارا («ممارسة اليوجا»). ارتبطت في مراحلها الأولى بأخوين اسماهما أسانجا وفاسوباندو، عاشا في القرن الرابع الميلادي، وسعى منهج هذه المدرسة إلى تصحيح تجسيد الدارمات التي قالت بها الأبهيدارما، لكنها اختلفت عن المادياماكا في أمرين واضحين: تمثل الأول في تركيزها على وجه التحديد على تحليل العمليات العقلية، وتمثل الأمر الثاني في اهتمامها بتقديم البوذية بطريقة رأت أنها أقل سلبية؛ فقد اعتقد البعض أن مبدأ الخواء الذي قدمته سوترات كمال الحكمة ومفكرو مادياماكا كان غير جذاب، ومن المحتمل أن يحمل دلالات عدمية خادعة ، وأنه يصرف الانتباه عن الممارسة الفعلية المتمثلة في فهم حالات التأمل بغية اكتساب البصيرة المحررة.
وعمد منهج يوجا كارا، كما هو واضح في أطروحتي «فيمشاتيكا» و«تريمشيكا» لصاحبهما فاسوباندو، إلى تحليل الأنواع المختلفة من «الحالة الذهنية»، أو «مجريات الوعي»، التي تمثل العالم التجريبي السابق لتنوير الفرد. وأجاب المنهج عن عدة أسئلة من بينها: ما الذي يحقق الاستمرارية في تلك الحالات الذهنية؟ كيف تعمل العملية الكارمية المتعلقة بتحمل عواقب أفعال الفرد؟ ما الذي يجعلنا جهلاء؟ ماذا يجب أن يحدث «كي يرى المرء الأشياء على حقيقتها»؟
وقالوا لنا إن المشكلة الأساسية تتمثل في أن العالم الذي يتشارك البشر في العيش فيه متمثلا في ثنائية الذات والآخر، والذاتية والواقع المادي، و«المدرك» و«المدرك»؛ هو تكوين ذهني، كونته «تحولات الوعي»، وهذا التكوين مفروض على واقع حقيقته ليست كما تبدو عليه. وتسري الاستمرارية؛ لأن تحولات الوعي تبدو كما لو كانت تزرع «بذورا» في «مخزن الوعي»، وتلك البذور تثمر في وقت لاحق في المستقبل، عندما تنتج التكوين الذهني الذي يكون في ذلك الوقت مشروطا على نحو مترابط. وعندما يكون المرء غير متنور يكون لتجربة هذه العملية تركيبة الذاتية والواقع المادي المألوفة بالنسبة لنا، ويسري هذا التصور لأن مخزن الوعي «ملوث» بالجهل؛ الجهل بالطبيعة الحقيقية للواقع. وتشكل هذه الملوثات، ذات الأنواع الكثيرة، السمات المختلفة لتجربتنا المشتركة، بالإضافة إلى السمات الخاصة بالفرد؛ نظرا لإثمار «بذور» الكارما الخاصة به.
ومن أجل التغلب على الاستمرارية، واستنفاد وقود مخزن الوعي، إن جاز التعبير، يجب أن يخترق المرء التركيبة المعتادة للعمليات الذهنية المتمثلة في ثنائية الذاتية والواقع المادي، ويتم ذلك من خلال المبادئ التأملية («يوجا كارا»)، ومن خلال فهم أن التجربة لها «ثلاثة جوانب»: الجانب الأول المألوف للغاية بالنسبة لنا هو الجانب «المكون»؛ عالم الذاتية والواقع المادي المكون ذهنيا، وفي هذا المستوى تكون السمة الأساسية هي سمة التجسيد، فهو عالم «واقعي على نحو مكون». وجانب «التبعية» هو النشاط الذهني الأساسي الذي يمكن القول إن «البيانات الخام» للتجربة تخضع فيه للتحول، وهذا الجانب لا يمكن إنكاره؛ فالتجربة هي الأرضية المشتركة أو الحقيقة الأساسية المقبولة لدى كل البشر التي لا يمكن لأي قدر من الحجج الفلسفية أن يدحضها. والجانب «المحسن» هو الغياب التام لأي تكوينات ذهنية تعمل في ظل «تدفق» التجربة.
جوانب التجربة الثلاثة لفاسوباندو (1) «الجانب المكون»: عالم الذاتية والواقع المادي اليومي، الذي يضفيه نشاطنا الذهني على الواقع، ذلك الواقع الذي ليست حقيقته كما تبدو عليه؛ لأن عملياتنا الذهنية الخاصة هي ما تفسر هذا التكوين على أنه الحقيقة نفسها. (2) «الجانب التابع»: «البيانات الخام» الأساسية لتجربة الذاتية والواقع المادي التي تخضع للتحولات الذهنية وتصبح الجانب المكون. (3) «الجانب المحسن»: تدفق البيانات التجريبية غير المتأثرة بالتحولات الذهنية. وهذا يجعل استبصار الواقع يظهر على حقيقته دون أي تكوين من الذاتية والواقع المادي.
ومن المهم ملاحظة عدة سمات في هذا التفسير؛ أولا: عن طريق شرح كيفية نشأة عالم الموضوعية من خلال تحولات الوعي، ينكر التفسير ادعاءات مفكري نيايا فايشيشيكا وغيرهم ممن يقولون بأن إدراك الشيء هو ما يصنع الوجود المتسامي لهذا الشيء. ثانيا: أنه يشرح حقيقة الاستمرارية التجريبية بطريقة «إيجابية» ومقبولة نفسيا؛ وذلك من خلال التأكيد على أن نقطة بداية حقيقة التجربة مألوفة بالنسبة لنا وليست مجردة. وكان هذا الأمر مهما في هذا السياق المحير نفسيا (وغير المقبول بالنسبة للبعض)؛ سياق مبدأ «الخواء» كما قدمته مدرسة مادياماكا على نحو أساسي. ثالثا: من وجهة النظر الوجودية، يمكن فهم هذا الأمر إما على نحو مجرد أو على نحو واقعي، وهذا يعني أن «بذور» الكارما و«مخزن الوعي» من الممكن اعتبارهما إما استعارات أو كيانات فعلية، والأمر نفسه ينطبق على فكرة «العقل فقط» ككل. ويمكن أن تتضمن البصيرة المحررة مجرد إيقاف الأنشطة الذهنية التي، نظرا لاستمرارها وقتا طويلا، توضح مجازيا بهذا التعبير «مخزن الوعي»؛ كما لو كانت عملية قيد الإنجاز؛ أو ربما تعني أن الكيان الفعلي «لمخزن الوعي» قد أصبح مطهرا، وأصبح لديه وجود مطهر مستمر. وبالمثل، فإن «تحولات الوعي» قد تعني آليات عمل الأنشطة الذهنية التي يشهدها كل شخص، تلك الأنشطة التي تنتمي لنوع غير محسوس تماما، أو ربما تشير إلى الوعي بوصفه، إلى حد ما، «مادة ذهنية» تتحول إلى عالم التجربة على نحو أكثر واقعية، لتصبح أساسا واقعيا. ومصطلح «العقل فقط» مناسب لكلا المنهجين المتمثلين في الحاجة إلى فهم الأنشطة الذهنية للفرد من أجل اكتساب البصيرة المحررة؛ وكذلك الزعم القائل إن العالم التجريبي يتكون من مادة ذهنية.
التصورية
يقضي المذهب التصوري، كنوع من الوجودية، بأن «كل ما هو موجود هو العقل». وهذا يعني أن نوعا من «المادة العقلية» يشكل الطبقة الأساسية للواقع، وأن هذا الواقع «يتحول» بطريقة ما عن طريق الأنشطة العقلية؛ ولذلك فإن كل ما نراه ليس هو الحقيقة؛ لأن ما نراه يتجسد في هيئة أشياء متفاوتة في درجات الكثافة؛ فنحن غير مدركين «للمادة العقلية» فحسب. ونظرا للوجود الفعلي «للمادة العقلية»، فإن المدرسة التصورية لا تقول: «لا يوجد أي شيء.» ولهذا السبب قد يكون من التضليل وصفها بأنها «وهم». إن التصورية هي النقيض التام لكل أشكال الواقعية التعددية؛ فالواقعية التعددية تؤكد أن تعددية ما نراه هي حقيقة متسامية، بينما تنفي التصورية أن تكون هذه هي حقيقة الأمر.
وانقسم بوذيو يوجا كارا أنفسهم، وكذلك الأكاديميون المتخصصون في البوذية، حول هذا الموضوع الأخير. وفي إطار التقليد أدى اختلاف المناهج إلى تأسيس مدارس مختلفة من بوذية يوجا كارا. واختلف الأكاديميون حول ما إذا كان التقليد تصوريا دائما في نظرته الوجودية (يوجد مادة ذهنية فحسب)، أم أنه بدأ كاستقصاء للأنشطة الذهنية منحيا الموضوعات الوجودية جانبا، وتطور إلى مدرسة تصورية لاحقا. والنصوص الأولية غامضة، وقابلة للتأويل على أي من الوجهين وعلى نحو مقنع منطقيا. ورغم ذلك، فجدير بالملاحظة أنه لو كان فاسوباندو يشير إلى استقصاء غير وجودي لعمليات معرفية ذاتية، لأصبح مشتركا في أمور كثيرة مع تعاليم البوذية القديمة ومع زعم ناجارجونا القائل بالتفريق اللفظي، رغم تقديم فاسوباندو له بطريقة مختلفة. وعلى النقيض من ذلك، فلو كان فاسوباندو يسعى إلى تأسيس وجودية تصورية، فسوف يمثل هذا تغييرا كبيرا في الاتجاه .
تطورات في الفكر البوذي
Unknown page