30
ورغم دفاعها عن هذه المقاربة القانونية-المؤسساتية فهي تدافع عن «مجموعات منظمة ذاتيا بإمكانها منح حقوق الانتماء القوية بما فيه جواز المرور»، وهو مبدأ كل ديمقراطي وكوسموبوليتي؛ لأن النقاش حول الهجرة «يجب ألا يختزل فقط في الحق في الولوج إلى الدولة، لكن يجب أيضا أن يرتكز على إمكانية أن المواطنة تكسبها بمجرد الدخول إليها.» (3) ثالثا: مواقفها (3-1) موقف سيلا بن حبيب من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي
31
لا يزال الفكر النقدي يحافظ على بريقه في مختلف المواقف التي تثير اهتماما واسعا لدى الرأي العام العالمي؛ فحينما يتعلق الأمر بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي فإن مواقف المثقفين والحركات المناهضة للصهيونية في الغرب، تكون مؤثرة أكثر من نظيراتها في العالم العربي. وهذا هو حال الموقف النقدي الجريء من هذا الصراع الذي اتخذته الفيلسوفة الأمريكية المعاصرة من أصول تركية سيلا بن حبيب باعتبارها أحد الوجوه النقدية المعاصرة والبارزة في الساحة السياسية الدولية بفضل مواقفها المبدئية والداعمة للشعوب المضطهدة والمقصاة بسبب الهوية أو اللغة أو الدين ...
ففي ظل الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في دجنبر 2008 أنجزت سيلا بن حبيب مقالا بارزا («أي حل لإسرائيل؟»)
32
حول الصراع بين إسرائيل وفلسطين، فككت فيه الرؤية السياسية للفاعلين في إسرائيل منتقدة حل الدولتين لتقترح، فيما يشبه حلما، حل الكونفدرالية القادرة على تدبير التعددية الدينية واللغوية والسياسية ...
وتشدد سيلا بن حبيب على أن إسرائيل قد «فقدت رؤيتها السياسية وقوتها العسكرية، ولا معنى سياسيا واضحا يوجه أفعالها/ممارساتها»، معتبرة أن القوة العسكرية تظل عمياء وتتدخل بكل وحشية «من أجل الوصول إلى أهدافها السياسية». فهل يمكن للمقاربة العسكرية والأمنية أن تكون وسيلة فعالة لضمان السلام؟
يحلل كانط في مشروع السلام الدائم - الذي تغترف منه سيلا بن حبيب - طبيعة العلاقات السياسية الدولية، داعيا إلى سلام دائم وممكن بين الأمم، وفي معرض نبذه للعنف وضرورة التحلي بثقافة السلم والتضامن، يرى كانط أنه لا سبيل إلى إقرار السلم ما لم يتم القضاء وبشكل نهائي على الجيوش الدائمة باعتبارها المسئولة عن الويلات التي تعيشها الأمم. ولعل تأملا بسيطا لفلسفة كانط السياسية، سيجد أن هذا الفيلسوف كان - على حد تعبير حنة آرنت - نموذجا صارخا لفيلسوف متنور حامل لهم الإنسانية ككل، فقد أعلن في بيانه الشهير: «مشروع للسلام الدائم»، دون شبهة أو لبس، إيمانه العميق بالسلام، ودفاعه المستميت عن مجتمع جديد خال من العنف والإبادة والقتل بأي مبرر كيفما كان، ففي المادة الثالثة من المواد التمهيدية للقسم الأول يقول: «يجب أن تلغى الجيوش الدائمة إلغاء تاما على مر الزمان»، ويعلق على ذلك قائلا: «لأن هذه الجيوش التي تبدو على الدوام متأهبة للقتال تهدد الدول الأخرى بالحرب تهديدا دائما، كما تحفزها إلى التسابق في زيادة قواتها المسلحة زيادة لا تقف عند حد ... أضف إلى هذا أن استئجار الناس لكي يقاتلوا أو يقتلوا معناه فيما يبدو أننا نستعملهم استعمال الآلات أو الأدوات في يد غيرهم (الدولة)، وهو أمر لا يتفق مع حقوق الإنسانية في أشخاصنا.» ويضيف في المادة السادسة: «لا يحق لأية دولة، في إبان الحرب، أن تستبيح لنفسها اقتراف أعمال عدائية كالاغتيال والتسميم، وخلق ظروف التسليم، والتحريض على الخيانة - من شأنها عند عودة السلم أن تجعل الثقة بين الدولتين أمرا مستحيلا.» لذا فينبغي «إقرار» حالة السلام.
وقبل أن تقدم سيلا بن حبيب الحل الذي تراه مناسبا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تؤكد أنه «لا أحد من المسئولين الإسرائيليين يمتلك رؤية سياسية»، وتميز في هذا الإطار بين الرؤية
Unknown page