165

Falsafa Anwacha

الفلسفة أنواعها ومشكلاتها

Genres

أما عندما نصل إلى فئة القيم الارتباطية فإن الموقف يتغير، فعلى حين أن هناك ارتباطات معينة هي دون شك مشتركة بين النوع بأسره، فإن عددها أقل مما يفترضه معظم الناس. وربما كان أقل من أن تكون له أهمية في علم الجمال. فكثير من الاستجابات التي كانت من قبل تعد «غريزية» أو «طبيعية»، قد ثبت أنها مكتسبة، وكثير من الاستجابات التي كانت تعد من قبل عامة شاملة، قد اتضح أنها مجرد «أنماط حضارية»، منتشرة على نطاق واسع داخل جماعة حضارية معينة، ولكنها ليست عامة شاملة على الإطلاق. وحسبنا أن نضرب مثلين لارتباطات شاملة مزعومة، يبينان مدى خطر التأكيد القطعي بشأن شمول أية استجابة كهذه. فنحن ننظر مثلا إلى المقام الصغير (Minor)

في الموسيقى على أنه يعبر بطبيعته عن أحوال نفسية جادة أو كئيبة أو استبطانية، ولا سيما بالنسبة إلى المقام الكبير

Major . ومع ذلك فقد كان لليونانيين القدامى رأي عكسي تماما: فالمقام الكبير هو الذي كان حزينا، كئيبا، بل مخنثا عندهم، على حين أن المقام المماثل لمقامنا الرئيسي الصغير كان في نظرهم رجوليا عدوانيا مرحا واثقا بنفسه. وإذا شئنا مثلا آخر، فلنتساءل: ماذا نقول عن تلك الحقيقة المعروفة من أن الحداد يرمز له في أرجاء شاسعة من الشرق باللون الأبيض؟

وعلى ذلك ينبغي أن نستنتج أن الترابطات الأولية ذاتها كثيرا ما تكون مصادر غير موثوق منها للقيمة الأخلاقية، على الرغم من أن هناك رموزا معينة قد يصبح لها في جماعات حضارية أو «مدنيات» خاصة تأثير ارتباطي يكاد يكون شاملا، فالصليب، في حدود المسيحية، هو مثال واضح، والمطرقة والمنجل

6 ⋆

قد يكونان في أيامنا هذه رمزا عاما كذلك. أما بالنسبة إلى الارتباطات الثانوية، فلا نكاد نكون بحاجة إلى القول إنها في عمومها شخصية؛ وبالتالي ذاتية تماما.

العنصر الشخصي : تمثل أية تجربة جمالية فردية لأي شخص مزيجا من ثلاثة أنواع من اللذة أو الإشباع. فالمشاهد العادي غير الخبير يبدي أكبر قدر من الاهتمام، كما رأينا من قبل، بالمضمون الارتباطي، وقدر أقل منه بالحسي، وأقل قدر من الجميع بالقيمة الشكلية. أما الفنان فيكاد يكون من المؤكد أنه إذا تأمل نفس العمل الفني فسوف يعكس هذا الترتيب، كما يفعل معظم النقاد الفنيين، فسوف ينظر إلى العناصر الحسية أو الشكلية على أنها أهم بكثير من العنصر الارتباطي، وقد تكون القيمة الكاملة للعمل الفني - في عالم الفن المعاصر على الأقل - منحصرة في الجمع بين هذين العنصرين. ومع ذلك فإن النقطة الرئيسية في مناقشتنا ليست هي السؤال عن «أفضل» الأنواع الثلاثة من القيم الجمالية أو «أكثرها مشروعية»، وإنما نحن نبحث في هذه الحقيقة البسيطة، ألا وهي أن الجزء الأكبر من التجربة الفنية يمثل مزيجا كهذا. ولما كانت نسب كل نوع من القيم تتفاوت تبعا لكل مشاهد - من لحظة إلى أخرى في المشاهد الواحد - فإن القيمة الكاملة لكل تجربة ينبغي أن تكون متباينة، شخصية؛ وبالتالي ذاتية.

ومن الممكن أن يكون الأفراد متسقين مع أنفسهم إلى حد معقول فيما يعزونه إلى أنواع القيم الثلاثة من أهمية نسبية، وقد يتعلمون أن يعملوا حسابا للأحوال النفسية المتغيرة، وللأهواء الشخصية العابرة، كما ينبغي أن يفعل الناقد - كما أن من الممكن أيضا أن يصل شخصان أو أكثر، عن طريق الجمع بين مرانة مماثلة، وخبرة مماثلة، ومزاج مماثل، إلى اتخاذ مزيج شبه متماثل من هذه القيم معيارا شخصيا للدلالة الجمالية أو الامتياز الفني في نظرهم. ومع ذلك فإن الأهمية النسبية لكل نوع من القيم تمثل في آخر الأمر اختيارا ليس شخصيا فحسب، بل هو فريد في نوعه؛ لذلك يبدو من المنطقي أن ننتهي من مناقشتنا هذه إلى أن عالم التجربة الجمالية ليس أصلح مكان للبحث عن القيمة الموضوعية.

7

وبطبيعة الحال فإن هناك أمورا كثيرة أخرى تقال عن الخلاف بين الذاتية والموضوعية، ولكن ليس هذا موضع الكلام عنها. ويكفي، بالنسبة إلى غرضنا الحالي، أن تكون التمييزات التي أشرنا إليها الآن قد أعطت القارئ فكرة معينة عن تعقد المشكلات الجمالية والمناهج التحليلية التي تستخدم في معالجتها. (5) مقارنة بين القيم الجمالية في الفن والطبيعة

Unknown page