كان يفعل أحد هذين الأمرين أحيانا، وكان يقتل الأسير أحيانا، ويسترق أحيانا؛ ففي يوم بدر قتل عقبة بن أبي معيط وقد أتي به أسيرا ، وقتل بني قريظة وقد نزلوا على حكم سعد، وفادى بجماعة من المشركين أسارى المسلمين الذين أسروا ببدر، ومن على ثمامة بن أثال الحنفي وهو أسير في يده، واسترق ذراري قريظة، واسترق نساء هوازن وذراريهم، كل هذا جعل أئمة الفقهاء يختلفون في حكم الأسرى؛ والذي يظهر لي أن هذه الأمور الأربعة متروكة للإمام يتصرف في كل حالة حسب ما يحيط بها من ظروف مشددة أو مخففة، روى رجل من أهل الشام ممن كان يحرس عمر بن عبد العزيز، قال: ما رأيت عمر رحمه الله قتل أسيرا إلا واحدا من الترك، كان جيء بأسارى من الترك، فأمر بهم أن يسترقوا، فقال رجل ممن جاء بهم: يا أمير المؤمنين لو كنت رأيت هذا - يشير إلى أحدهم - وهو يقتل المسلمين لكثر بكاؤك عليهم! فقال عمر: فدونك فاقتله، فقام إليه فقتله
4 .
وأما أهل البلد المفتوح غير المحاربين، فالإمام مخير بين استرقاقهم وتركهم أحرارا يدفعون الجزية، ولكن عمر - وإليه المرجع في كثير من هذه المسائل - ترك أهل سواد العراق أحرارا، وفرض على كل شخص من الموسرين في العام ثمانية وأربعين درهما، وعلى غير الموسرين أربعة وعشرين
5 .
وإذا استرق الأسرى أو أهل البلد المفتوح وزعت توزيع الغنائم، فتخمس، ومعنى التخمس أن يعطى خمسها لليتامى والمساكين وابن السبيل، وأربعة الأخماس تعطى للغانمين: للراجل سهم وللفارس سهمان.
فترى من هذا الفتح الإسلامي كان يستتبع رقا، وهذا الرق هو الذي كان له الأثر الأكبر في عملية المزج، ولهذا كان لا بد فيه من كلمة خاصة.
كان الرق نظاما شائعا في العالم، وكل ما كانت تختلف فيه الأمم حسن معاملة الرقيق أو سوءها؛ فكان اليهود يسترقون، وقد أمرت الديانة اليهودية بحسن معاملة الرقيق، وحددت زمن الاسترقاق بسبع سنين يصبح الرقيق بعدها حرا، واسترق اليونان في تاريخ يطول شرحه؛ واسترق الرومان، وقد منح القانون الروماني للمالك الحق في إماتة عبده أو استحيائه، وجعله مستبدا غير مسئول عن تصرفه في عبده، وكثر الرقيق في عهدهم، حتى ذكر بعض مؤرخيهم: أن الأرقاء في الممالك الرومانية يبلغون في العدد ثلاثة أمثال الأحرار، وأخذت أحوال الأرقاء تتعدل من حيث المعاملة، ومن حيث القانون من القرن الثاني للمسيح.
وكان العرب في جاهليتهم يغزو بعضهم بعضا، ويستولون على رجال بعضهم ونسائهم فيكونون أرقاء، وكان لهم أسواق يباع فيها الرقيق؛ جاء في «أسد الغابة» أن زيد بن حارثة مولى رسول الله كان من قضاعة وأمه من طيئ، أصابه سباء في الجاهلية؛ لأن أمه خرجت تزور قومها «بني معن» فأغارت عليهم خيل «بني القين بن جسر» فأخذوا زيدا فقدموا به سوق عكاظ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد، وهي وهبته لرسول الله فأعتقه، إلى آخر ما ذكره.
وفي الحديث عن علي رضي الله عنه قال: «خرج عبدان إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم
Unknown page