15
وأرستقراطية الفاتح، فكان من مظاهر الأمر الأول أن البصرة والكوفة خطط كل منهما تخطيطا قبليا، فقد قسمت الكوفة مثلا قسمين: القسم الشرقي - وكان خير القسمين - والقسم الغربي ، فاقترع على من يأخذ خير القسمين: اليمنيون أم النزاريون؟ فنال القسم الشرقي اليمن، والقسم الغربي نزار، ثم اختط كل فريق جزءا من أرضه حسب القبائل
16 ، ويروي الشعبي أن اليمنيين بالكوفة كانوا أكثر من النزاريين، فكان اليمنيون اثني عشر ألفا، والنزاريون ثمانية آلاف
17 ، وكانت هذه العصبية مثارا للنزاع الشديد كما رأيت - مما حكينا عن ابن أبي الحديد - وكان عرب الكوفة إذا قاتلوا عرب البصرة انحازت كل قبيلة ناحية وقاتلت مثيلتها في الجانب الآخر، فيمن الكوفة يقاتلون يمن البصرة، وربيعة الكوفة تقاتل ربيعة البصرة، ومضر الكوفة تقاتل مضر البصرة
18 .
وأما أرستقراطية الفاتح فكان مظهرها في موقف العرب إزاء الموالي، فقد كان أكثر سكان العراق من الفرس، والعرب فيه أقلية، فقد رأيت أنه أحصي من تجب عليهم الجزية في العراق فكانوا خمس مئة ألف وخمسين ألفا، هذا عدا من أسلموا من الفرس ولم تجب عليهم الجزية، هؤلاء الموالي كانوا يحالفون العرب ويدخلون في ولائهم لحمايتهم، ويعدونهم سادتهم، ويتعصب كل قوم منهم للقبيلة التي حالفوها من العرب، يقول البلاذري: «حالفت الأساورة
19
الأزد، ثم سألوا عن أقرب الحيين - من الأزد وبني تميم - نسبا إلى النبي
صلى الله عليه وسلم
والخلفاء، وأقربهم مددا، فقيل بنو تميم، فحالفوهم»، وكان هؤلاء الموالي هم القائمين بالحرف والصناعات والتجارة في العراق، وكان العنصر السائد المشرف على الأمر الذي بيده زمام الحرب هم العرب.
Unknown page