146

Fajr al-Islām

فجر الإسلام

Genres

2 .

لهذا كانت مدرسة المدينة أغزر علما وأبعد شهرة، تخرج فيها أكثر علماء ذلك العصر في التفسير والحديث والفقه والتاريخ، يقصدها طلبة العلم من أقاصي البلدان لتلقي العلم عن علمائها؛ فابن الأثير يحدثنا أن عبد العزيز بن مروان بعث ابنه «عمر» إلى المدينة للتأدب بها، وكتب إلى صالح بن كيسان أن يتعاهده، فأبطأ عمر يوما عن الصلاة، فقال: ما حبسك؟ فقال: كانت مرجلتي تصلح شعري، فكتب إلى أبيه بذلك، فأرسل أبوه رسولا، فلم يزل به حتى حلق شعره، ونرى محمد بن إسحاق والواقدي نشأ بالمدينة وتخرجا في مدرستها، فكان عليهما اعتماد كل من كتب بعدهما في المغازي والسير ؛ وهذا طبيعي، فمن أحفظ لحديث رسول الله وأخبر بغزواته، وأعرف بحياته وحياة خلفائه من أهل المدينة، وبين سمعهم وبصرهم كانت هذه الأحداث؟ والآن نذكر طرفا من أخبار مدرسة مكة ومدرسة المدينة وأشهر علمائهما:

مدرسة مكة:

لما فتح رسول الله

صلى الله عليه وسلم

مكة خلف فيها معاذا يفقه أهلها ويعلمهم الحلال والحرام ويقرئهم القرآن، وكان معاذ من أفضل شباب الأنصار علما وحلما وسخاء، وقد شهد المشاهد كلها مع رسول الله، وكان يعد من أعلم الصحابة بالحلال والحرام ومن أقرئهم للقرآن، وممن جمع القرآن على عهد الرسول، وقد روى عنه ابن عباس وابن عمر، ومات شابا في طاعون عمواس.

كذلك علم بمكة عبد الله بن عباس في أخريات أيامه، فقد علم في البصرة وعلم في المدينة، ثم لما كان الخلاف بين عبد الملك بن مروان وعبد الله بن الزبير ذهب إلى مكة وعلم بها، فكان يجلس في البيت الحرام، ويعلم التفسير والحديث والفقه والأدب، وإلى عبد الله بن عباس وأصحابه يرجع الفضل فيما كان لمدرسة مكة من شهرة علمية، وأشهر من تخرج في هذه المدرسة من التابعين مجاهد بن جبر وعطاء بن أبي رباح، وطاووس بن كيسان

3 ، وثلاثتهم من الموالي، فمجاهد مولى بني مخزوم، وقد اشتهر برواية أقوال ابن عباس في تفسير القرآن، وروي أنه قال: «عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، أقفه عند كل آية، أسأله فيما نزلت، وكيف كانت؟»

وعطاء كان من مولدي الجند؛ وكان مولى لبني فهر، وكان أسود أفطس مفلفل الشعر، ومن جلة فقهاء مكة وزهادها، وكان يعد من أعلم الناس بمناسك الحج، وكان يجلس في المسجد الحرام ويجتمع الناس حوله فيفتيهم ويحدثهم ويعلمهم.

وطاووس كان من أبناء الفرس في اليمن، وقد أدرك كثيرا من الصحابة وأخذ عنهم ثم انقطع إلى ابن عباس وكان من خاصة تلاميذه، ثم كان من سادة التابعين، ومن فقهاء مكة ومفتيها.

Unknown page