وبتلك الطريقة أخذ السحر الذي يستعمل في الحياة الدنيا اليومية يستعمل بحالة مطردة للنفع في الحياة الآخرة، ويوضع تحت طلب الموتى وتصرفهم.
لقد رأينا فيما تقدم ذكره عن عصر الأهرام أن الاعتقاد الديني وقتئذ لم يقل بعد بوجود محاكمة عامة تجري حتما على كل الناس في الحياة الآخرة، وكل ما في الأمر أن الذي اقترف ذنبا خاطئا كان يطلب للمحاسبة في عالم الآخرة على ذنبه، فكان إله الشمس يعقد هنالك محكمة للفصل في مثل تلك القضايا. وفي العهد الإقطاعي صار إله الشمس يؤكد - كما يستدل من متون التوابيت - أن كل إنسان مسئول عن خطيئته: «لقد جعلت كل رجل مثل أخيه، وقد حرمت عليهم إتيان الشر، ولكن قلوبهم هي التي نكثت بما قلت.» كذلك ذكرنا فيما تقدم في النصائح الموجهة إلى «مريكارع»: «أن ذنوب الرجل كانت تكوم بجانبه كالجبال في حضرة القضاة المهيبين في عالم الآخرة.» فنرى من ذلك أنه مهما كانت حياة الإنسان نقية فإنه كان من مستلزمات معتقدات العهد الإقطاعي أن الإنسان لا بد له من اجتياز امتحان المحاكمة الخلقية للحصول على السعادة المنشودة في الحياة الآخرة، وقد صار هذا الشعور بالمسئولية الخلقية فيما بعد الموت من العوامل القوية في حياة الشعب المصري القديم، غير أنه كان هنالك عاملان قويان يعملان على هدم تلك المسئولية، وهما:
أولا:
استمرار اعتقاد عامة الشعب في كفاية العوامل المادية، مثل إقامة القبور وإعداد معداتها، لضمان سعادة المتوفى في الحياة الآخرة.
ثانيا:
ازدياد الاعتماد على نفع قوة السحر في عالم الآخرة، وهو اعتقاد نال تشجيع الكهنة فتطرفوا فيه واشتطوا، إلى حد أنهم حاولوا إنتاج تعاويذ سحرية تضمن للمتوفى قبوله خلقيا عند محاكمته في عالم الآخرة.
الفصل الرابع عشر
الحساب في الآخرة والسحر
لقد تتبعنا ذلك التطور الطويل الذي مر فيه الاعتقاد بالمسئولية الخلقية في الحياة الآخرة، وهو اعتقاد - كما نذكر - كان حاضرا في أذهان بناة الأهرام، غير أنه كان منحصرا في ذاك الوقت في تعرض المتوفى للمثول أمام إله الشمس، بصفة كونه قاضيا، وذلك استجابة لطلب إنسان قد أخطأ الميت في حقه، لا ليحاسب حسابا شاملا، فكان الاعتقاد القائم إذ ذاك أنه إذا لم يطلب الإنسان للمحاكمة بتلك الصفة فإنه من المحتمل ألا يتعرض في الآخرة لأي حساب آخر. وبعد عصر الأهرام ببضعة قرون - أي في وقت ظهور النصائح الموجهة إلى الملك «مريكارع» - نجد أن ذلك الاعتقاد قد أخذ يحدد ويعين بحالة أوضح مما كان عليه من قبل.
فإن ذلك الملك المسن الذي ألقى بتلك الكلمات الحكيمة إلى ابنه «مريكارع» كان متأثرا تأثيرا عميقا بالحقيقة القائلة إنه كان حقا حتى على الملك نفسه أن لا يغفل عن تبعته في عالم الآخرة عن حياته في هذه الدنيا من الناحية الأخلاقية، ولعلنا نذكر نصيحته الهامة التي يقول فيها: «إنك تعلم أن محكمة القضاة الذين يحاسبون المخطئ لا يتسامحون في ذلك اليوم الذي يحاسبون فيه الشرير وقت تنفيذ الحكم ... ولا تركنن إلى طول الأيام؛ لأنهم ينظرون (يعني القضاة) إلى مدى حياة الإنسان كأنها ساعة واحدة.
Unknown page