177

Al-īmān bayna al-salaf waʾl-mutakallimīn

الإيمان بين السلف والمتكلمين

Publisher

مكتبة العلوم والحكم،المدينة المنورة

Edition

الأولى

Publication Year

١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م

Publisher Location

المملكة العربية السعودية

Genres

وإذا اتضح فساد مذهب الجهم هذا الذي يجعل الإيمان مجرد المعرفة، ننتقل إلى بيان موقف السلف من مذهب الكرامية القائل بأن الإيمان هو شيئ واحد فقط وهو الإقرار باللسان حذرًا من تبعضه، وهذا رأي يراه السلف فاسدًا أيضًا، لأنه يؤدي إلى القول بإيمان المنافقين وهذا مالا يقول به مسلم، وليس هذا إلزامًا لهم بل قالوا به حقيقة لكن تقدم أن ابن تيمية يرى أن خلافهم للسلف إنما هو في الاسم فقط. أما الحكم فيرون أنهم في الآخرة يلقون ما أوعدهم الله به من النار، وإيمانهم بألسنتهم غير نافع لهم في الآخرة، لأن الحكم الآخروي يستلزم مطابقة الباطن للظاهر، ولكن الكرامية أخطؤوا في تسمية المنافق مؤمنًا وإن كانت تجري عليه أحكام الدنيا لكونه اتقى بادعاء الإيمان بلسانه فليس لنا إلا الظاهر. ولكننا إذا عرفنا المنافق فليس له منا إلا ما سماه الله به.
ورأي الكرامية هذا وإن كان فاسدًا أيضًا، غير أن رأي الجهمية أفسد وأكثر خطورة منه. أما مذهبهم في العصاة فهو عين مذهب المرجئة إذ أن من أقرَّ بلسانه فهو مؤمن مهما عمل بشرط أن يطابق ظاهره باطنه. وسيأتي النقاش في مسألة العصاة إن شاء الله. ومذهب الكرامية هذا وما استدلوا به عليه إنما يؤدي إلى القول بأن الإقرار أحد أركان الإيمان التي قال بها السلف. أما الحصر فيه فلا دليل عليه أبدًا مثله كمثل غيره من المذاهب المفردة في الإيمان فالتصديق والعمل تقدمت الأدلة على ضرورته وكذلك الإقرار باللسان.

1 / 196