فائدة جليلة: في قواعد الأسماء الحسنى
تأليف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية
تحقيق: عَبْد الرّزاق بن عَبد المحسِن البَدْر
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد للَّه المحمود على كال حال، الموصوف بصفات الجلال والكمال، له الأسماء الحسنى وهو الكبير المتعال.
أما بعد: فإنَّ من أجل العلوم وأعظمها نفعّا وأكثرها فائدةً معرفةً القواعد والأصول والضوابط الكلية الجامعة، ذلك أنَّ الأصول والقواعد للعلوم بمنزلة الأساس للبنيان والأصول للأشجار لا ثبات لها إلا بها، والأصول تبنى عليها الفروع، والفروع تثبت وتتقوى بالأصول، وبالقواعد والأصول يثبت العلم ويقوى وينمى نماءً مطردًا، وبها تعرف مآخذ الأصول، وبها يحصل الفرقان بين المسائل التي تشتبه كثيرًا، كما أنَّها تجمع النظائر والأشباه التي من جمال العلم جمعها"١ إلى
_________
١ طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول للشيخ عبد الرحمن بن سعدي (ص ٤) .
1 / 5
غير ذلك من الفوائد العظيمة والمنافع الجليلة التي لا تحصى.
بل إنَّ "من محاسن الشريعة وكمالها وجمالها وجلالها: أنَّ أحكامها الأصولية والفروعية والعبادات والمعاملات وأمورها كلها لها أصول وقواعد تضبط أحكامها وتجمع متفرقها وتنشر فروعها وتردها إلى أصولها"١.
والقاعدة: هي أمر كليٌ ينطبق على جزئياتٍ كثيرةٍ تفهم أحكامها منها٢.
فإذا ضُبطت القاعدة وفهم الأصل أمكن الإلمام بكثيرٍ من المسائل التي هي بمثابة الفرع لهذه القاعدة، وأُمن الخلطُ بين المسائل التي قد تشتبه، وكان فيها تسهيلٌ لفهم العلم وحفظه وضبطه، وبها يكون الكلام مبنيّا على علم متين وعدل وإنصاف.
ولذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: "لابد أن يكون مع الإنسان أصولٌ كلية ترد إليها الجزئيات؟ ليتكلم بعلم
_________
١ الرياض الناضرة للشيخ عبد الرحمن بن سعدي (ص ٢٤٣) .
٢ انظر شرح الكوكب المنير للفتوحي (ص ٦) .
1 / 6
وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات فيتولد فسادٌ عظيمٌ) ١.
لأجل هذا عُني أهل العلم كثيرًا. بوضع القواعد وجمعها في الفنون المختلفة، فلا تكاد تجد فنًا من الفنون إلا وله قواعدُ كثيرةُ وضوابطُ عديدةٌ تجمع متفرقه، وتزيل مشتبهه، وتنير معالمه، وتيسر فهمه، وحفظه، وضبطه.
وهذا الجزءُ الذي بين يديك مشتمل على أصولٍ عظيمةٍ وقواعدَ وضوابطَ مهمةٍ في فقه أسماء الله الحسنى، مستمدةٍ من الشرع معلومةٍ بالاستقراء والتتبع لنصوص الكتاب والسنة، تعين مطالعها وقارئها على فهم الأسماء الحسنى فهمًا صحيحًا سليمًا بعيدًا عن شطط أهل الأهواء وانحرافاتهم الكثيرة في قواعدهم التي قعدوها وأصولهم التي أصلوها بعقولهم الفاسدةٍ، وأهوائهم المنحرفةِ، فناقضوا بها أصول الشريعة، وعارضوا بها النصوص المحكمة، وأضلوا بها كثيرًا، وضلوا عن سواء السبيل
_________
١ الفتاوى (١٩/ ٢٠٣) .
1 / 7
وأصله "فائدة جليلة"أودعها الإمام المحقق والعلامة المدقق ابن قيم الجوزية كتابه العظيم "بدائع الفوائد"١ نبه فيها ﵀ على ضوابط مهمةٍ، وقواعد عظيمةٍ، وأصولٍ كليةٍ متينةٍ متعلقةٍ بفهم أسماء الله الحسنى وفقهها. قال في تمامها ﵀ "فهذه عشرون فائدةً مضافةٌ إلى القاعدة التي بدأنا بها في أقسام ما يوصف به الربُ ﵎، فعليك بمعرفتها ومراعاتها، ثم اشرح الأسماء الحسنى إن وجدت قلبّا عاقلًا، ولسانًا قائلًا، ومحلًا قابلًا، وإلا فالسكوت أولى بك فجناب الربوبية أجلُّ وأعزُّ مما يخطر بالبال أو يعبر عنه المقال ... ".
وقد رأيت أنَّ من المفيد جدًّا إفراد هذه الفائدة الجليلة بالنشر، لتكثر فائدتها ولتكون سهلة التناول قريبة المأخذ، وقد تحصَّل لي بحمد الله ثلاث نسخ خطية لهذا الموضع من بدائع الفوائد:
الأولى: من مكتبة المخطوطات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تحت رقم (٢٩٧٦/ ف) ورمزت لها بالحرف (خ) .
_________
(١/١٥٩- ١٧٠) .
1 / 8
والثانية: أيضا من مكتبة المخطوطات بجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية تحت رقم (١٠٥/ ف) ورمزت لها بالحرف (ص) .
والثالثة: من مكتبة الأخ الفاضل الشيخ الوليد بن عبد الرحمن الفريان وقد صورها من إحدى المكتبات الخاصة. ورمزت لها بالحرف (ب) .
فقابلت بين هذه النسخ الثلاث، والنسخة المطبوعة، ولوامع الأنوار البهية١ للسفاريني فقد نقل جملةً كبيرةً من هذه القواعد نصًا عن بدائع الفوائد؟ ونظرًا لكثرة الأخطاء الواقعة في النسخ الخطية الثلاث، وفي النسخة المطبوعة لم اعتمد شيئًا منها أصلًا أبني عليه، وإنَّما قابلت بين النسخ وأثبت في المتن ما رأيته صحيحًا صوابًا؛ وللسبب ذاته لم أر أيضًا إثقال الهوامش بإثبات جميع الفروقات الواقعة بين النسخ، وإنَّما رأيت الاقتصار على ما في إثباته فائدة، ثم إنّي مع هذا قد عزوت الآيات القرآنية إلى أماكنها، وخرجت
_________
(١/١٢٣-١٢٨) و(١/ ١٣٢) .
1 / 9
الأحاديث باختصار، وعلقت على بعض المواطن اليسيرة، فأرجو اللَّه أنْ يكون هذا العمل متقبلًا عنده وسائر أعمالي إنَّه قريبٌ مجيب.
وكتب عبد الزراق بن عبد المحسن البدر
في ١٥/٦/١٤١٥هـ
1 / 10
اقسام ما يجري صفة أو خبرا على الرب
...
النص المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام العلامة المحقق شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن أبي بكر الزرعي الشهير بابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتابه القيم "بدائع الفوائد"ما نصه:
1 / 16
فائدة جليلة: ما يجري صفةً أو خبرًا على الرب ﵎ أقسامٌ:
أحدها: ما يرجعُ إلى نفس الذات؟ كقولك: ذات وموجود وشيء.
الثاني: ما يرجعُ إلى صفاتٍ معنويةٍ، كالعليم والقدير والسميع.
الثالث: ما يرجعُ إلى أفعاله؛ نحو: الخالق والرزاق.
الرابع: ما يرجعُ إلى التنزيه المحض. ولابد من تضمنه ثبوًا إذ لا كمال في العدم المحض؟ كالقدوس السلام.
الخامس: ولم يذكره أكثرُ الناس، وهو الاسم الدال على جملة أوصافٍ عديدةٍ لا تختصُ بصفةٍ معينةٍ، بل هو دالٌ على معانٍ١ لا على معنى مفردٍ؛ نحو: المجيد العظيم الصمد، فإنَّ المجيد من اتصف بصفاتٍ متعددةٍ من صفات الكمال، ولفظه يدل على هذا، فإنَّه موضوعٌ للسعة والكثرة والزيادة،
_________
١ في (المطبوعة) "معناه"وفي (ص) "معاني".
1 / 17
ومنه قولهم: "في كل شجر نار واستمجد المَرْخُ والعَفارُ"١ وأمجد الناقة علفًا، ومنه ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ ٢ صفة للعرش لسعته وعظمه وشرفه.
وتأمل كيف جاء هذا الاسمُ مقترنًا بطلب الصلاة من الله على رسوله كما علمناه صلى الله عليه وسلم٣؛ لأنه في مقام طلب المزبد
_________
١ في جميع النسخ الخطية والمطبوعة "فمنه استمجد المرخ والعفار"والمثبت من لوامع الأنوار (١/ ١٢٣) . وقد وقع في المطبوعة "الغفار"بإعجام العين، وفي (ب) "العقار"وكلاهما خطأ.
قال الأزهري في تهذيب اللغة (١٠/ ٦٨٣): "ومن أمثال العرب: في كل الشجر نار، واستمجد المَرْخُ والعَفارُ؛ أي: استكثرا من النار فصلحا للاقتداح بهما"اهـ. والمَرْخُ: شجر سريع الوري، والعَفارُ: شحر يتخذ منه الزِّناد.
٢ سورة البروج، الآية: ١٥. وقد جاء في المطبوعة وجميع النسخ الخطية (رب العرش المجيد) وهو خطأ.
٣ يشير ﵀ إلى ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "لقني كعب بن عُجرة فقال: ألا اهدي لك هدية؟ إن النبي ﷺ، خرج علينا فقلنا يا رسول الله، فد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا اللهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ، البخاري (رقم: ٥٧ ٦٣) ومسلم: (رقم٤٠٦) .
والحديث مرويٌ عن غبر واحد من الصحابة منهم: عقبة بن عمرو، وأبو مسعود الأنصاري، وأبو حميد الساعدي وغيرهم ﵃. وانظر "فضل الصلاة على النبي ﷺ: لإسماعيل بن إسحاق القاضي بتحقيق العلامة الألباني ﵀، انظر رسالة الوالد الشيخ عبد المحسن العباد "الصلاة على النبي ﷺ فضلها وكيفيتها". وهي مطبوعة متداولة.
1 / 18
والتعرض لسعة العطاء وكثرته ودوامه، فأتى في هذا المطلوب باسم يقتضيه١؛ كما تقول: اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، ولا يحسن إنك أنت السميع البصير، فهو راجعٌ إلى المتوسل إليه٢ بأسمائه وصفاته، وهو من أقرب الوسائل وأحبها إليه.
ومنه الحديث الذي في المسند والترمذي: "أَلِظُّوا بياذا الجلال والإكرام " ٣ ومنه: "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد
_________
١ في (المطبوعة) "تقتضيه".
٢ في (ص) "التوسل إليه"
٣ رواه أحمد (٤/ ١٧٧) والحاكم (١/ ٤٩٨) وابن منده في التوحيد (٢/ ٢٠٢) من طريق عبد الله بن المبارك عن يحيى بن حسان عن ربيعة بن عامر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: فذكره.
وقال الحاكم "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي وصححه الألباني. انظر السلسلة الصحيحة (٤/ ٤٩) . ورواه الترمذي (رقم ٣٥٢٤) من حديت أنس بن مالك، وقال: "حديت غريب".
1 / 19
لا إله إلا أنت المنان بديعُ السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام " ١.
فهذا سؤالٌ له وتسولٌ إليه بحمده٢، وأنه الذي لا إله إلا هو المنان، فهو توسلٌ إليه بأسمائه وصفاته، وما أحق ذلك بالإجابة وأعظمه موقعًا عند المسؤول، وهذا بابٌ عظيمُ من أبواب التوحيد أشرنا إليه إشارةً، وقد فتح لمن بصره الله.
ولنرجع إلى المقصود وهو وصفه تعالى بالاسم المتضمن لصفاتٍ عديدةٍ، فالعظيم من اتصف بصفات كثيرة من صفات الكمال وكذلك الصمد، قال ابن عباس: "هو السيد الذي كمل ني سؤدده"٣. وقال أبو وائل٤: "هو السيد الذي
_________
١ رواه أحمد (٣/ ١٢٠) وأبو داود (رقم: ١٤٩٥) وابن ماجه (رقم: ٣٨٥٨) والنسائي (٣/٥٢) والحاكم (١/٥٠٤) وصحح الألباني إسناده. انظر "التوسل أنواعه وأحكامه" (ص ٣٠) .
٢ في (المطبوعة) و(ب) و(خ) "وبحمده"
٣ رواه ابر جرير في تفسيره (١٥/٣٤٦) .
٤ في (المطبوعة) و(خ) و(ب) "ابن وائل"، وهو خطأ، وأبو وائل هو: شقيق بن سلمة الأسدي ثقة مخضرم مات في خلافة عمر بن عبد العزيز وله مائة سنة "التقريب".
1 / 20
انتهى سؤدده"١.
وقال عكرمة: "الذي ليس فوقه أحد"٢.
وكذلك قال الزجاج: "الذى ينتهي إليه السؤدد ففد صمد له كل شيء"٣.
وقال ابن الأنبارى: "لا خلاف بين أهل اللغة أنَّ الصمد السيد الذي ليس فوقه أحد الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم"٤ واشتقاقه يدل على هذا، فإنَّه من الجمع والقصد، فهو٥ الذي اجتمع القصد نحوه، واجتمعت فيه صفات السؤدد، وهذا أصله في اللغة كما قال٦:
_________
١ رواه ابن جرير (١٥/ ٣٤٦) .
٢ ذكره ابن تيمية في تفسير سورة الإخلاص. الفتاوى (١٧/ ٢١٦) .
٣ انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج (٥/ ٣٧٧، ٣٧٨) .
٤ نقله ابن تيمية في تفسير سورة الإخلاص. الفتاوى (١٧/ ٢١٦) .
٥ "فهو"ساقطة من (المطبوعة) و(ب) و(خ) .
٦ القائل هو: سبرة بن عمرو الأسدي، وقيل هو لهند بنت معبد بن نضلة تبكي عميها اللذين قتلهما النعمان انظر "مجاز اللغة"لأبي عبيدة (٢/ ٣١٦) وهامشه.
1 / 21
ألا بكر الناعي بخيري بني أسد ... بعمرو بن يربوع١ وبالسيد الصمد
والعرب تسمي أشرافها بالصمد؛ لاجتماع قصد القاصدين إليه، واجتماع صفات السيادة فيه.
السادس: صفة تحصل من اقتران أحد الاسمين والوصفين بالآخر، وذلك قدرٌ زائدٌ على مفرديهما؛ نحو: الغني الحميد، العفو القدير، الحميد المجيد، وهكذا عامة الصفات المقترنة والأسماء المزدوجة في القرآن. فإنَّ الغني صفة كمال، والحمد كذلك، واجتماع الغني مع الحمد كمال آخر، فله ثناءٌ من غناه، وثناءٌ من حمده، وثناءٌ من اجتماعهما. وكذلك العفو القدير، والحميد المجيد٢، والعزيز الحكيم، فتأمله فإنَّه من أشرف المعارف.
وأما صفات السلب المحض فلا تدخل في أوصافه تعالى إلا
_________
١ ورد البيت في "مجار اللغة"و"تفسير الطبري"وغيرهما بلفظ: "بعمرو بن مسعود".
٢ من قوله: "وهكذا عامة ... "إلى قوله: " ... والحميد المجيد، ساقط من (ب)
1 / 22
أن تكون متضمنةً لثبوتٍ؛ كالأحد المتضمن لانفراده بالربوبية والإلهية، والسلام المتضمن لبراءته من كل نقص يضاد كماله، وكذلك الإخبار عنه بالسلوب إنما١ هو لتضمنها ثبوتًا كقوله تعالى: ﴿لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾ ٢ فإنَّه متضمنٌ لكمال حياته وقيوميته، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ ٣ متضمنٌ لكمال قدرته، وكذلك قوله: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ﴾ ٤ متضمنٌ لكمال علمه، وكذلك قوله: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ ٥ متضمنٌ لكمال صمديته وغناه، وكذلك قوله: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ ٦ متضمنٌ لتفرده بكماله وأنه لا نظير له، وكذلك قوله تعالى: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ ٧ متضمنٌ لعظمته وأنَّه جلَّ عن أن يُدرك بحيث يحاط به، وهذا مطردٌ في كلِّ ما وصف به نفسه من السلوب.
_________
١ "إنما"زيادة من لوامع الأنوار.
٢ سورة البقرة، الآية: ٢٥٥.
٣ سورة ق، الآية: ٣٨.
٤ سورة يونس، الآية: ٦١. وقع في (خ) و(المطبوعة): "لا يعزب ".
٥ سورة الإخلاص، الآية: ٣.
٦ سورة الإخلاص، الآية: ٤.
٧ سورة الأنعام، الآية: ١٠٣.
1 / 23
باب الإخبار أوسع من باب الأسماء والصفات
...
ويجب أن يعلم هنا أمورٌ١:
أحدها: أنَّ ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته؟ كالشيء والموجود والقائم بنفسه، فإنَّه٢ يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا٣.
_________
١ في (ب): "ويجب أن تعلم هنا أمورًا".
٢ في (ص): "فإن هذا ... ".
٣ انظر درء التعارض لابن تيمية (٤/ ١٤٠) .
الثاني: أن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه، بل يطلق عليه منها كمالها، وهذا كالمريد والفاعل والصانع، فإنَّ هذه الألفاظ لا تدخل في أسمائه؛ ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الإطلاق، بل هو الفعَّالُ لما يريد فإنَّ الإرادة والفعل والصنع منقسمةٌ؛ ولهذا إنَّما أطلق على نفسه من ذلك أكمله فعلًا وخبرًا.
لا يلزم الإخبار عنه بالفعل مقيدا أن يشتق له من أسم مطلق ... الثالث: أنَّه لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيدًا أن يشتق له منه اسمٌ مطلقٌ كما غلط فيه بعضُ المتأخرين فجعل من أسمائه الحسنى المضل الفاتن الماكر تعالى الله عن قوله، فإنَّ
الثاني: أن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه، بل يطلق عليه منها كمالها، وهذا كالمريد والفاعل والصانع، فإنَّ هذه الألفاظ لا تدخل في أسمائه؛ ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الإطلاق، بل هو الفعَّالُ لما يريد فإنَّ الإرادة والفعل والصنع منقسمةٌ؛ ولهذا إنَّما أطلق على نفسه من ذلك أكمله فعلًا وخبرًا.
لا يلزم الإخبار عنه بالفعل مقيدا أن يشتق له من أسم مطلق ... الثالث: أنَّه لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيدًا أن يشتق له منه اسمٌ مطلقٌ كما غلط فيه بعضُ المتأخرين فجعل من أسمائه الحسنى المضل الفاتن الماكر تعالى الله عن قوله، فإنَّ
1 / 24
هذه الأسماء لم يطلق عليه شحانه منها إلا أفعالٌ مخصوصةٌ معينةٌ فلا يجوز أن يسمى بأسمائها المطلقة، واللَّه أعلم.
أسماء الله الحسنى أعلام وأوصاف والوصف لا ينافي العلمية ... الرابع: أنَّ أسماءَه الحسنى هي أعلامٌ وأوصافٌ، والوصفُ بها لا يُنافي العَلَمِيَة، بخلاف أوصاف العباد فإنَّها تنافي علميتهم؛ لأن أوصافهم مشتركةٌ فنافتها العلميةُ المختصةُ بخلاف أوصافه تعالى١. _________ ١ انظر بدائع الفوائد (١/ ٢٤) .
دلالة الأسماء على الذات تكون بالمطابقة والتضمن الإلتزام ... الخامس: أنَّ الاسم من أسمائه. له دلالات: - دلالة على الذات والصفة بالمطابقة. - ودلالة على أحدهما بالتضمن. - ودلالة على الصفة الأخرى باللزوم٢. _________ ٢ كاسم "الحي "مثلًا، فإنَّه دالٌ على الذات وعلى صفة الحياة بالمطابقة. ودالٌ على الذات وحدها وعلى صفة الحياة وحدها بالتضمن، ودالٌ على القدرة والسمع والبصر والعلم وغيرها من الصفات باللزوم. ودلالة المطابقة هي دلالة اللفظ على كامل معناه، ودلالة التضمن هي دلالة اللفظ على بعض معناه، ودلالة اللزوم هي دلالة اللفظ على أمر خارج عن معناه.
الأسماء الحسنى لها إعتبار من حيث الذات وإعتبار من حيث الصفات ... السادس: أنَّ أسماءَه الحسنى لها اعتباران:
أسماء الله الحسنى أعلام وأوصاف والوصف لا ينافي العلمية ... الرابع: أنَّ أسماءَه الحسنى هي أعلامٌ وأوصافٌ، والوصفُ بها لا يُنافي العَلَمِيَة، بخلاف أوصاف العباد فإنَّها تنافي علميتهم؛ لأن أوصافهم مشتركةٌ فنافتها العلميةُ المختصةُ بخلاف أوصافه تعالى١. _________ ١ انظر بدائع الفوائد (١/ ٢٤) .
دلالة الأسماء على الذات تكون بالمطابقة والتضمن الإلتزام ... الخامس: أنَّ الاسم من أسمائه. له دلالات: - دلالة على الذات والصفة بالمطابقة. - ودلالة على أحدهما بالتضمن. - ودلالة على الصفة الأخرى باللزوم٢. _________ ٢ كاسم "الحي "مثلًا، فإنَّه دالٌ على الذات وعلى صفة الحياة بالمطابقة. ودالٌ على الذات وحدها وعلى صفة الحياة وحدها بالتضمن، ودالٌ على القدرة والسمع والبصر والعلم وغيرها من الصفات باللزوم. ودلالة المطابقة هي دلالة اللفظ على كامل معناه، ودلالة التضمن هي دلالة اللفظ على بعض معناه، ودلالة اللزوم هي دلالة اللفظ على أمر خارج عن معناه.
الأسماء الحسنى لها إعتبار من حيث الذات وإعتبار من حيث الصفات ... السادس: أنَّ أسماءَه الحسنى لها اعتباران:
1 / 25
- اعتبار من حيث الذاتُ.
- واعتبار من حيث الصفاتُ.
فهي بالاعتبار الأول مترادفةٌ، وبالاعتبار الثاني متباينةٌ.
1 / 26
عنه به نحو: الحي، بل يطلق عليه الاسم والمصدر١ دون الفعل، فلا يقال: حيي٢.
_________
١ فيقال: من أسمائه سبحانه "الحي "ومن صفاته "الحياة".
٢ انظر كتاب "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى"للشيخ محمد العثيمين ﵀ القاعدة الثالثة من قواعد الأسماء (ص ١٠، ١١) .
1 / 27
السابع: أنّ ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفيٌ، وما يطلق عليه في باب الإخبار١ لا يجب أن يكون توقيفيًا؛ كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه. فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه: هل هي توقيفيةٌ، أو يجوز أن يطلق عليه منها بعضُ ما لم يرد به السمع.
_________
١ في (المطبوعة) و(خ) و(ب) "من الأخبار"وفي (ص) "في الأخبار"والمثبت من لوامع الأنوار.
1 / 25
الإسم إذ اطلق على الله جاز أن يشتق من المصدر والفعل
...
الثامن: أنَّ الاسم إذا أطلق عليه جاز أنْ يشتق منه المصدر والفعل فيخبر به عنه فعلًا ومصدرًا؛ نحو: السميع البصير القدير، يطلق عليه منه السمع والبصر والقدرة ويخبر عنه بالأفعال من ذلك؛ نحو: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ﴾ ٢، ﴿فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾ ٣ هذا إنْ كان الفعل متعديًا، فإنْ كان لازمًالم يخبر
_________
٢ سورة المجادلة، الآية:١.
٣ سورة المرسلات، الآية: ٢٣.
1 / 26