ومتّع بصحة بصره، فقد وقفت في بعض ما كتب، وهو قد جاوز السبعين من عمره بسنتين أو نحوهما على ما يقضى منه العجب؛ دقة خط وإدماج حروف مع البيان، فكان في ذلك وحيدا، وأثمر المغالاة فيها بعد وفاته حتى تجووزت في أثمانها الغاية التي لا عهد بها، وتمادت رغبة الناس في اقتناء ما يوجد بخطه أو بتصحيحه ومنافستهم فيه إلى الآن» (١).
وذكر العلاّمة الكتّاني أنّ بمكتبة القرويين بفاس إلى الآن نسخته من «صحيح مسلم» التي قابلها مرارًا وسمع فيها وأسمع بحيث يعد أعظم أصل موجود من «صحيح مسلم» في إفريقية، وهو بخط الشيخ الأديب الكاتب أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر الأموي الإشبيلي المالكي، فرغ منه سنة (٥٧٣)، وعليه بخط المترجم (ابن خير) أنه عارضه بأصول ثلاثة معارضة بنسخة الحافظ أبي علي الجيّاني شيخ عياض وغيره من الأعلام، وكتب المترجم بهامشه كثيرا من الطّرر والفوائد والشّرح لغريب ألفاظه وشروح بعض معانيه وفرغ من ذلك سنة (٥٧٣) أيضا (٢).
وأشار ابن الأبّار إلى توسعه بالرّواية وإتقانه لها فقال: «وكان من الإكثار في تقييد الآثار والعناية بتحصيل الرّواية بحيث يأخذ من أصحابه الذين شركهم في السّماع من شيوخه»، ثم قال: «وكان مقرئا مجودا ضابطا، محدثا جليلا متقنا، أديبا نحويا لغويا، واسع المعرفة، رضى مأمونا، كريم العشرة، خيّرا فاضلا، ما صحب أحدا ولا صحبه أحد إلا أثنى عليه» (٣).
وقال ابن الزبير: «أحد المقرئين المحدّثين المشهورين بحسن الضّبط وإتقان التقييد، مع معرفته بالعربية واللّغة والأدب والغريب أغنى النّاس بإكثار الرّواية حتى أخذ عن كثير من نظرائه» (٤).
_________
(١) الذيل ٨/ ٣٠٢.
(٢) فهرس الفهارس ١/ ٣٨٥.
(٣) التكملة ٢/ ٥٠.
(٤) نقله السيوطي في بغية الوعاة عنه ١/ ١٠٢ وهو في القسم المفقود من كتابه.
1 / 9