Fahm Fahm
فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر
Genres
هذا الوعي الخاص بمثل هذه التكوينات التأليفية يحدث خلال هذه الأفعال المتعددة والتي تتحد لتكون وحدات عليا من الوعي، ويحدث بواسطة ظواهر تتشكل داخليا (محايثة) وتعمل في الوقت نفسه كأساس لمختلف عمليات الحكم: مثل الصدق اليقيني، الاحتمال، الإمكان ... إلخ. (11)
يمتد مفهوم «الظاهرة» أكثر لينسحب على الأحوال المتغيرة (الوضوح والغموض، الجلاء والخفاء ...) لكون المرء على وعي بشيء ما، والتي يمكن فيها أن تقدم للوعي علاقة أو صلة واحدة بعينها، أو تعطى له نفس الحالة أو نفس الترابط المنطقي، وهكذا. (12)
وصفوة القول: أن المفهوم الأول والأكثر بداءة للظاهرة يشير إلى النطاق المحدود من تلك الوقائع المعطاة للحس، والذي من خلاله تظهر الطبيعة وتتبدى في عملية الإدراك. (13)
ثم امتد المفهوم تلقائيا ليشمل كل صنف من الأشياء التي يقصدها الحس أو يموضعها، ثم امتد ليشمل أيضا نطاق تلك الموضوعات التركيبية التي تعطي للوعي خلال تراكيب إشارية وترابطية، وبذلك يكون المفهوم قد شمل جميع الأحوال التي تقدم فيها الأشياء إلى الوعي، وقد رأينا في النهاية أنه يشمل كل مجال الوعي وكل الطرائق التي يتم بها الوعي بشيء ما وكل المكونات التي تندرج تحت هذه الطرائق، وما دمنا نقول إن مفهوم الظاهرة يشمل جميع الطرق التي يكون بها المرء على وعي بشيء ما فإن ذلك يعني أنه يشمل أيضا كل صنف من أصناف المشاعر والرغبة والإرادة وما ينطوي عليه من نزوع أو سلوك. (14)
وبميسورنا أن نفهم هذا التوسع في المفهوم إذا ما تذكرنا أن هناك فئات هائلة من الموضوعات - شاملة جميع الموضوعات الثقافية وجميع القيم والفضائل والأعمال - لا يمكننا أن نخبرها ونفهمها وندركها موضوعيا بما هي كذلك ما لم نشرك الوعي العاطفي والإرادي، ليس هناك موضوع من فئة «الأعمال الفنية» مثلا يمكن أن يموضع لأي كائن خلو من الحساسية الاستطيقية (الجمالية)، أو كائن متصف بالعمى الاستطيقي إن صح التعبير. (15)
حصلنا من خلال هذا العرض لمفهوم «الظاهرة» على تصور مبدئي لعلم ظاهريات عام، أي علم الظواهر الموضوعية بجميع أنواعها، أو علم بكل نوع من الموضوعات، على أن يؤخذ مصطلح «موضوع» فقط بمعنى أيما شيء لديه تلك التحديدات التي يقدم بها نفسه للوعي، وهو يقدم نفسه خلال تلك الأحوال المتغيرة التي يتبدى فيها؛ ومن ثم تكون مهمة الفينومينولوجيا هي أن تبحث في كيف يتراءى شيء مدرك أو متذكر أو متخيل بالشكل الذي يتراءى به، أو كيف يبدو بفضل ما يضفيه الحس أو تضفيه تلك الخصائص الباطنة للمدرك أو المتذكر أو المتخيل نفسه، ومن الواضح أن على الفينومينولوجيا أن تبحث بنفس الطريقة كيف يبدو ما يجمع أو كيف يتراءى في عملية جمعه، وكيف يبدو ما يفرق إذ يفرق، وكيف يبدو ما ينتج إذ ينتج، وبالمثل في كل فعل من أفعال التفكير كيف يحوز هذا الفكر «ظاهريا» على ما يفكر فيه، كيف يبدو العمل الفني في عملية التذوق الفني على ما يبدو عليه، كيف يبدو الشيء المشكل، في عملية التشكيل، على ما يبدو عليه، إلخ، ما تريده الفينومينولوجيا في جميع هذه البحوث هو أن تبرهن على كل ما تراه متضمنا في النظرية بافتراض الصواب الكلي للنظرية، غير أنها إذ تفعل ذلك سيكون عليها أن تشير في بحوثها إلى الطبيعة الداخلية للإدراك نفسه، للتذكر (أو أي طريقة أخرى للتمثيل) نفسه، للتفكير والتقييم والإرادة والفعل، مع أخذ هذه الأفعال كما تتبدى في التأمل الحدسي الباطني، وبتعبير ديكارتي يمكننا القول بأن البحث سيكون منصبا على «الكوجيتو»
Cogito (الأنا أفكر) بحد ذاته بالإضافة إلى «المفكر به بوصفه مفكرا به»
Cogitatum Qua Ccogitatum ، وكما أن الاثنين مرتبطان ارتباطا لا انفصام له في الوجود، فمن المتعقل أن يكونا مرتبطين في البحث أيضا. (16)
إذا كانت هذه هي الموضوعات الرئيسية للفينومينولوجيا، فمن الممكن أيضا أن نطلق عليها «علم الوعي»
Science of Consciousness ، على أن نأخذ الوعي هنا بمعناه الخالص، الوعي «بما هو كذلك». (17)
Unknown page