Fahm Fahm
فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر
Genres
سمردياكوف في «الإخوة كرامازوف ». (4)
كنت في «الملك لير».
ولننظر - الآن - بإيجاز إلى معنى هذه الجملة في سياقها، في المشهد الأخير من مسرحية «الملك لير»، بعد أن انتهت المعركة وبعد أن سقط إدموند وجعل يلهث محتضرا، يدخل المخلص كنت، ويعبر عن ولائه العظيم بكلمات استئذان بسيطة ومؤثرة، فأي عالم من المعنى تفصح عنه كلمة «سيد» (مولى)
Master
هنا! إننا لا نسمع فيها علاقة كنت بلير فحسب، بل نسمع، برجع الصدى، تيمة الولاء البسيط في النظام التراتبي للأشياء، بالطبع هذه الكلمات تتجاوز مجرد التعبير عن كنت وعلاقته بلير، إن لها دلالة عملية فاعلة؛ لأن هذه الجملة البسيطة متبوعة مباشرة بالسؤال «أليس هو هنا؟» الذي يفجر النهاية المأساوية للمسرحية، ويتركز الانتباه على الفور إلى الغياب المشئوم لليروكورديليا، والذي يدفع إدموند إلى أن يخبرهم بأنه قد أمر بالقضاء على حياتهما، وأن يقوم بمحاولة غير مجدية لإلغاء الأمر، هنالك يدخل «السيد» العجوز، سيدا الآن على نفسه وليس سيدا على الأحداث التي جرها فشله في السيادة الحقيقية، يدخل حاملا على ذراعيه الكنز الذي ازدراه يوما ما وألقاه عنه على أنه هباء (كورديليا)، فما أهول التغير الذي اعترى معنى «الحب» و«الولاء» عند لير خلال المسرحية! وشد ما غيرت الأحداث معنى قراره بتقسيم مملكته!
10
المعنى شيء تاريخي، لقد تغير الزمن، إنه مسألة علاقة، فهو دائما مرتبط بمنظور ترى منه الأحداث، المعنى ليس شيئا ثابتا صلبا، حتى «معنى» الملك لير كمسرحية يتغير، فمعناها عندنا بعد زوال العالم الطبقي الربوبي وفي سياق اجتماعي مغاير تماما لا بد أنه مختلف عما كان عليه لدى معاصري شكسبير، إن تاريخ التفسيرات المسرحية لشكسبير لتظهر لنا أن هناك شكسبير للقرن السابع عشر، وشكسبير للقرن الثامن عشر وآخر للتاسع عشر، ورابعا للقرن العشرين، تماما مثلما أن هناك صيغة أرسطية لأفلاطون وهناك أفلاطون المسيحية المبكرة وأفلاطون العصر الوسيط وأفلاطون القرن السادس عشر وحتى أفلاطون القرن العشرين، فالتفسير دائما يقف في الموقف نفسه الذي يقف فيه المفسر نفسه، إن المعنى يتوقف على ذلك مهما بلغ اكتفاؤه الذاتي الظاهري داخل مسرحية أو قصيدة أو حوار.
هكذا يتجلى صواب دلتاي حين ذهب إلى أن المعنى قد يكون له أنماط مختلفة غير أنه دائما نمط من التماسك أو العلاقة أو القوة الرابطة، إنه ورغم أن المعنى هو مسألة علاقة وسياق، فإن هذا لا يعني أنه «معلق في فراغ» مثل تكوين فني عائم طليق! إنه ليس شيئا مكتفيا بذاته يقف قبالتنا كموضوع، إنه ذلك الشيء غير الموضوعي الذي نموضعه حين نستظهر معنى ما، يقول دلتاي: «ينمو المعنى أساسيا من علاقة الجزء بالكل، تلك العلاقة المتأصلة في طبيعة الخبرة المعاشة.» وبعبارة أخرى فالمعنى داخل في نسيج الحياة، أي في مشاركتنا في الخبرة المعاشة، إنه «المقولة الأساسية الجامعة التي تصبح تحتها الحياة قابلة للفهم»، والحياة، كما قلنا آنفا، ليست شيئا ميتافيزيقيا بل «خبرة معاشة»، في هذه الحقيقة الأساسية، يقول دلتاي قوله المأثور:
الحياة هي العنصر أو الحقيقة الأساسية التي يجب أن تشكل نقطة البداية للفلسفة، إنها تعرف من الداخل، إنها ذلك الشيء الذي وراءه لا يمكن أن نمضي، الحياة لا يمكن أن يزج بها إلى محكمة العقل.
إن منفذنا إلى فهم الحياة هو في موقع أعمق من العقل، فالحياة تصبح قابلة للفهم من خلال موضعتها، ها هنا في مجال الموضوعات يمكن أن يشيد عالم من العلاقات الحقيقية التي يفهمها الأفراد في معرض الخبرة المعاشة، المعنى ليس شيئا ذاتيا، ليس إسقاطا للفكر على الشيء (الموضوع
Unknown page