لشاعر البلد ، فوقع في نفسي الرغبة في الشعر ، واشتغل فكري بذلك ، وانصرفت إلى منزلي . فلما أخذت مضجعي من الليل أريت كأني على باب دار فيقال لي : هذه دار الحسن بن هانئ ، فكنت أقرع الباب فيخرج إلي الحسن فيفتح الباب وينظرني بعين حولاء ثم ينصرف . قال : فاستيقظت من ساعتي وقمت سحرا إلى المفسر فقصصتها عليه فقال : سيكون محلك من قول الشعر بمقدار ما كان يتحول إليك من عين الحسن . قال لي أبو محمد : مات أبو بكر ابن هذيل سنة خمس أو ست وثمانين وثلاثمائة ، وهو ابن ست وثمانين ، وكان قد بلغ من الأدب والشعر مبلغا مشهورا ، ومن مستحسن شعره ( 1 ) : [ من الكامل ] لم يرحلوا إلا وفوق رحالهم . . . ( 2 ) غيم حكى غبش الظلام المقبل وعلت مطارفهم ( 3 ) مجاجات الندى . . . فكأنما مطرت بدر مرسل لما تحركت ( 4 ) الحمول تناثرت . . . من فوقهم في الأرض تحت الأرجل ( 5 ) - 6 - أخبرني أبو محمد علي بن أحمد قال ( 6 ) ، أخبرني أبو الحسن علي بن محمد بن أبي الحسين ( 7 ) قال ، وجدت بخط أبي قال : أمرنا الحكم المستنصر بالله ، رحمه الله ، بمقابلة كتاب " العين " للخليل بن أحمد مع أبي علي إسماعيل بن القاسم البغداذي ، وابني سيد ( 8 ) في دار الملك التي بقصر قرطبة : وأحضر من الكتاب نسخا كثيرة في جملتها نسخة القاضي منذر بن سعيد التي رواها بمصر عن ابن ولاد . فمر لنا صور من الكتاب بالمقابلة . فدخل علينا الحكم في بعض الأيام فسألنا عن النسخ ، فقلنا نحن : أما نسخة القاضي التي كتبها بخطه فهي أشد النسخ تصحيفا وخطأ وتبديلا ، فسألنا عما نذكره من ذلك فأنشدناه أبياتا مكسورة وأسمعناه ألفاظا مصحفة ولغات مبدلة ، فعجب """""" صفحة رقم 224 """"""
من ذلك وسأل أبا علي فقال له نحو ذلك ، واتصل المجلس بالقاضي فكتب إلى الحكم المستنصر رقعة وفيها : [ من الوافر ] جزى الله الخليل الخير عنا . . . بأفضل ما جزى فهو المجازي وما خطا الخليل سوى المغيلي . . . وعضروطين في ربض الطراز فصار القوم زرية كل زار . . . وسخريا وهزأة كل هاز فلما دخلنا على المستنصر قال لنا : أما القاضي فقد هجاكم ، وناولنا الرقعة بخط يد القاضي ، وكانت تحت شيء بين يديه ، فقرأناها وقلنا : مولانا نجل مجلسك الكريم عن انتقاص أحد فيه ، لا سيما مثل القاضي في سنه ومنصبه ، وإن أحب مولانا أن يقف على حقيقة ما أدركناه ، فليحضره ، وليحضر الأستاذ الأستاذ أبا علي ، ثم نتكلم على كل كلمة أدركناها عليه ، فقال : قد ابتدأكما والبادي أظلم ، وليس على من انتصر لوم . قال أبي : فمددت يدي إلى الدواة وكتبت بين يديه : [ من الوافر ] هلم فقد دعوت إلى البراز . . . وقد ناجزت قرنا ذا نجاز ولا تمش الضراء فقد أثرت ال . . . أسود الغلب تخطر باحتفاز وأصحر للقاء تكن صريعا . . . لماضي الحد مصقول جراز رويت عن الخليل الوهم جهرا . . . لجهل بالكلام وبالمجاز دعوت له بخير ثم أنحت . . . يداك على مفاخره العزاز تهدمها وتجعل ما علاها . . . أسافلها ستجزيك الجوازي جزى الله الإمام العدل عنا . . . جزاء الخير فهو له مجازي به وريت زناد العلم قدما . . . وشرف طالبيه باعتزاز وجلى عن كتاب العين دجنا . . . وإظلاما بنور ذي امتياز بأستاذ اللغات أبي علي . . . وأحداث بناحية " الطراز " بهم صح الكتاب وصيروه . . . من التصحيف في ظل احتراز وأسقطنا نحن منها أبياتا تجاوز الحد فيها . قال : ثم أنشدتها المستنصر بالله فضحك وقال : قد انتصرت وزدت ، وأمر بها فختمت ، ثم وجه بها إلى القاضي ، فلم يسمع له بعد ذلك كلمة .
Page 224