امرأته فقال: هبى لى عنزك حتى أقضى بها ذمام هذا الرجل، فقد توسمت فيه الخير، فإن يكن من مضر فهو من بنى عبد المطلب، وإن يكن من اليمن فهو من بنى آكل المرار. قالت: وقد عرفت حال صبيتىّ هاتين وأن معيشتهما منهما وهما توءمتان، وأنا أتخوّف عليهما الموت، قال: موتهما خير من اللؤم، فقبض على رجل الشاة فاجترّها إلى المذبح، وأخذ الشّفرة بيمينه ثم قال:
قرينتى لا توقظى ابنتيه ... إن توقظا تنتحبا عليّه
وتنزعا الشّفرة من يديّه ... أبغض «١» بهذا وبذا لديّه
ثم شحطها «٢» وكشف «٣» عن جلدها، وقطعها أرباعا فقذفها فى القدر، وصبّ عليها ماء وحفن عليها من الملح، وجعل يحشّ تحتها حتى بلغت إناها، ثم ثرد فى جفنة فعشّاهم، ثم غدّاهم، فأقام عنده يومين وليلتين، ثم أراد الرحيل فقال لغلامه: ارم إلى الشيخ بما أخرجت من النفقة، فقال: سبحان الله! إنما ذبح لك شاة فكافئه بمثلها خمس مرات، وهو بعد لا يعرفك «٤» . فقال: ويحك! إن هذا لم يملك من الدنيا غير هذه الشاة فجاد بها، وإن يكن لا يعرفنى فأنا أعرف نفسى، ارم بها إليه، فقال: إنها أكثر من ذلك، قال:
وإن كثرت. فرمى بها إليه- وكانت خمسمائة دينار- ثم ارتحل فأتى معاوية فقضى حاجته وأكرمه، وأقبل راجعا إلى المدينة حتى قرب من الشيخ، فقال لغلامه، يا مقسم، مل بنا إليه ننظر إليه كيف حاله، فإذا فناء رجل سرىّ، وإذا نار ورماد ودخان عال وإبل كثيرة وغنم، ففرح بذلك، فقال له: أتعرفنى؟ قال: لا والله فمن أنت؟ قال: أنا أبو منزلك ليلة كذا، قال: وإنك لهو! فجعل يقبّل رأسه ثم قال: جعلنى الله فداءك! قد قلت أبياتا فاسمعها منى، فقال:
1 / 31