أخبرنا الشيخ أبو الحسن علي بن صالح بن ميمون الفقيه، قال: أخبرنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن حمدان العكبري، قال: ثنا الشيخ أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسن بن الحكم بن أبي مريم الدينوري، قال: ثنا أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، قال: قرأت في بعض الكتب: أن الله تعالى رفع قدر بيت المقدس، ولم يزل الملك والنبوة فيه لداود ولسليمان عليهما السلام، وبعد سليمان في ولده وأولادهم إلى الأعرج من ولد ولده، وكان عرجه من قبل عرق النساء، فطمعت الملوك في بيت المقدس لزمانته وضعفه، وأنه لم يكن نبيا، فسار إليه ملك الجزيرة، وكان كافرا يعبد الزهرة، ونذر لئن ظفر ببيت المقدس ليذكين ابنه للزهرة، وكان بخت نصر كاتبه، فخرج إلى بيت المقدس فأرسل الله عليهم ريحا فأهلكت جيشه، وأفلت هو وكاتبه حتى ورد الحصن الذي كان له، فلما دخل إليه قتله ابنه، فغضب له بخت نصر فقتله وملك بعده، وسار إليها ملك الهند بعده فأهلكه الله، وسار إلىها سنحاريب ملك الموصل، وملك أذربيجان سليمان الأعسر فاختلفوا، ووقع الحرب بينهما حتى تفانوا، وغنم بنو إسرائيل ما كان معهما، وسار إليها ملك الروم ومعه الأشبان والصقاليب وملك الأندلس فتشاجروا أيضا واقتتلوا، وأهلك الله تعالى بعضهم ببعض، ثم إن بني إسرائيل أحدثوا وغيروا، ورغب بعضهم عن بيت المقدس وضارعه بمسجد ضرار، فزلزل ذلك المسجد وهلك، ثم غزاهم بعد ذلك بخت نصر، فرغبوا إلى الله تعالى وتابوا، فرده الله تعالى عنهم بعد أن فتح المدينة، وجالوا في أسواقها جولة، وهذه المرة الأولى التي ذكرها الله تعالى، فقال: {فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا. ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين}. ثم أحدثوا بعد ذلك أيضا، فبعث الله إليهم أرميا النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرهم بغضب الله تعالى عليهم، فقام فيهم بوحي الله تعالى فضربوه وقيدوه وسجنوه.
وكان قال لملكها: أيها الملك، إني أرسلت إليك، إن قومك [قد] عبدوا الأصنام، وتركوا أمر الله تعالى، وإن الله عز وجل معذبكم إن لم تتركوا ما أنتم فيه. فأمر به فحفر له جب وصب فيه الماء حتى أنتن وعاد حمأة، فسجنه يوما وليلة قائما إلى ركبتيه، لا يستطيع أن يقعد في أبرد أرض الله، فتكلم في الجب فقال: ملعون اليوم الذي ولدت فيه، ملعون من بشر والدا بولده، أو كما قال: فسمعه رجل كان يجالس الملك، فقال للملك: أرأيتك هذا الرجل الذي حبسته [في الجب] ما تريد منه، أتريد قتله؟ قال: لا. قال: فأخرجه إلى بعض سجونك هذه حتى تنظر في أمره. فأخرجه من الجب بعد يوم وليلة، والجب في بيت المقدس إلى اليوم، ظاهر معروف يعرف بجب أرميا.
ثم إن أرميا -عليه السلام- قال: لا تردني إلى هذا الجب وأفعل ما تريد. قال: فوضعه في السجن، وكان يطعمه كل يوم قرصا ويسقيه من الماء حتى نحل جسمه وطال شعره.
Page 31