Explanation of the Urgent Motivator
شرح كتاب الباعث الحثيث
Genres
مظان الحديث الحسن
الآن أريد أن أعرف مظان الحديث الحسن، والمقصود بكلمة (مظان): الأماكن التي يوجد فيها الحديث الحسن، وأيضًا أريد أن أعرف ما ضابط الحديث الحسن؟ نحن قلنا: إن الترمذي هو أول من أكثر في كتابه من هذا المصطلح، وأوضح في كتابه كثيرًا من هذا النوع، فمن مظان الحديث الحسن كتاب سنن الترمذي، وكذلك سنن أبي داود، وعرفنا أن سنن أبي داود من مظان الحديث الحسن برسالة بعثها أبو داود لأهل مكة -وأبو داود من سجستان- وكان مهمتها أن يصف فيها كتاب السنن، فقال: وضعت في كتابي هذا الصحيح، وما يشبهه ويقاربه، والصحيح لا إشكال فيه؛ لأن ثلث ما رواه أبو داود في السنن موجود عند البخاري ومسلم أو أحدهما.
وهناك أحاديث ليست في الصحيحين ولا في أحدهما عند أبي داود وهي صحيحة أيضًا؛ لأنها رويت من طريق رواة ثقات، وليس بلازم أن تكون في الصحيحين أو في أحدهما، هذا الذي يقول فيه أبو داود: وضعت فيه الصحيح.
أما قوله: (وما يشبهه)، فيريد به الحسن لذاته، والضمير هنا عائد على الصحيح، والذي يشبه الصحيح الحسن لذاته.
ثم قال: (وما يقاربه)، والذي يقاربه الحسن لغيره، والضمير هنا عائد على ما يشبهه الذي هو: الحسن لذاته، وهذه مسألة مهمة جدًا.
فبهذا عرفنا أن سنن أبي داود فيها الصحيح والحسن لذاته والحسن لغيره.
ثم يقول: (وما كان فيه وهن شديد بينته)، يعني: ضعف شديد ونكارة، ولما نأتي نستقرئ السنن نجد فيها أحاديث كثيرة فيها وهن شديد جدًا، ومع هذا لم يتكلم عليها بإبانة، لم يقل -مثلًا- عقب الحديث: وهذا حديث فيه وهن شديد وقد بينته، لم يقل هكذا، ولكن يدافع عنه بأنه يمكن ألا يكون الوهن شديدًا عند الإمام، ويكون شديدًا عند غيره، وقد يقال: لا، هذا محل اتفاق أن هذا الراوي متهم، وهو محل اتفاق، فما من أحد من النقاد إلا وقال فيه تهمة؟ فيجاب بأنه لا بد لـ أبي داود من مخرج، كأن يقول: ذيوع الأمر وانتشاره.
ثم يقول: (وما سكت عنه فهو حسن عندي، أو صالح)، هذا الكلام أيضًا منتقد؛ فـ أبو داود سكت عن أحاديث كثيرة صحيحة ليست في الصحيحين، فهل تعتبر هذه الأحاديث من قبيل الصحيح أم من قبيل الحسن؟ الذي سيقول: صحيح، نقول له: لا، أبو داود قال: ما سكت عنه فهو حسن.
والذي سيقول عنه: حسن، سنقول له: رجال سنده ثقات.
وعلى أي حال هذا منهج أبي داود، بعض الناس قالوا: قول أبي داود: وما سكت عنه فهو حسن، هل يقصد بسكوت أبي داود على حديث في داخل السنن، أم في خارج السنن؟ أبو داود روى أحاديث كثيرة، وصنف كتبًا كثيرة غير السنن، فالأحاديث التي سكت عنها وقال: إنها حسنة عندي، هل المقصود بالسكوت هذا داخل السنن أم في عموم مروياته؟ المقصود: داخل السنن؛ لأنه في أول الكلام قال: وضعت في كتابي هذا، فالكلام آخره مرتبط بأوله؛ لأن بعض الناس قال: أبو داود يقصد في عموم مروياته، وهذا غير صحيح؛ فـ أبو داود بعث رسالة مكتوب على جلدتها: رسالتي إلى أهل مكة وصف السنن.
وهي رسالة طويلة، لكن هذا منهج الكتاب، وفيه جزئية معينة لإثبات مسألتين: منهج أبي داود في الكتاب.
والمسألة الثانية: أن سنن أبي داود هي من مظان الحديث الحسن، وهذا الذي نريد أن نأخذه الآن، نحن لسنا بصدد دراسة سنن أبي داود، وإنما بصدد إخبار وبيان أن سنن أبي داود هي من مظان ومصادر الحديث الحسن.
وهناك كتاب يسمى كتاب مصابيح السنة للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي، المتوفى في أوائل القرن السادس سنة (٥١٦هـ)، الإمام البغوي له كتاب اسمه مصابيح السنة، هذا الكتاب كتاب جميل جدًا، وكتاب مهم جدًا، وهو مغمور لا يعرفه حتى طلبة العلم، وهو كتاب في غاية الأهمية، وله كتاب اسمه شرح السنة، كتاب في غاية الجمال والروعة، معظم أحاديث شرح السنة متفق عليها.
وكتاب مصابيح السنة للبغوي فيه اصطلاح خاص، ولا مشاحة في الاصطلاح، فمثلًا: إذا قلت: أنا سأفعل كذا وأعتبره كذا، فلا يوجد أحد سيعترض علي؛ لأن هذا منهج اتخذته لنفسي وفي كتابي، ومن هذا أن يحيى بن معين قال: إذا قلت في الراوي: لا بأس به؛ فهو بمعنى ثقة، والمعروف عند جمهور العلماء أن كلمة (لا بأس به) تنزل عن مرتبة الثقة، يعني: صدوق عند الجمهور، أما إذا قال يحيى بن معين في الراوي: لا بأس به، فإنه يكون ثقة مباشرة، هذا مصطلح خاص بـ ابن معين، فلا يوجد أحد ينازعه فيه؛ لأنه قال: إذا قلت: لا بأس به؛ فإنما أعني أنه ثقة.
والإمام البخاري مثلًا كان مؤدبًا في الجرح، أما ابن حبان
4 / 6