165

Explanation of the Book of Tawhid by Ibn Khuzaymah - Muhammad Hassan Abdul Ghaffar

شرح كتاب التوحيد لابن خزيمة - محمد حسن عبد الغفار

Genres

بيان الفرق بين كلام الله الذي يكون به الخلق وبين خلق الله إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢]. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١]. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠ - ٧١]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: باب ذكر البيان من كتاب ربنا المنزل على نبيه المصطفى ﷺ على الفرق بين كلام الله ﷿ الذي به يكون الخلق وبين خلق الله جل وعلا. أقول: الفارق بعيد بين فعل الله وبين مفعولاته، بين صفة الكلام لله وبين المخلوقات، فإن الله جل وعلا يخلق الخلق بكلامه وبأمره فإذا أراد شيئًا يقول له: كن فيكون، فالفارق بعيد بين المفعول وبين الفعل، فالكلام فعل من أفعال الله جل وعلا، وأما السماء والأرض والأنهار والجبال هذه من مفعولات الله جلا وعلا، فإن هذه المفعولات آثار من فعل الله جل وعلا، فكلام الله من صفاته، وفعل من أفعاله، وأما الأشجار والسماء والأرض والمخلوقات فهي من مفعولات الله جل في علاه، والله جل وعلا فرق لنا بين فعله وبين مفعولاته، قال الله تعالى: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف:٥٤]. وعطف على الخلق الأمر، والأصل في العطف المغايرة، فالخلق غير الأمر، فالخلق من مفعولات الله جل في علاه، والأمر من أفعال الله، يعني من كلام الله جلا في علاه: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْر تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف:٥٤]. فإن الخلق بكلام الله وبأمر الله وبفعل الله، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل:٤٠]. إذًا: الأمر بكن فيكون الخلق، فالخلق من مفعولات الله، والأمر من فعل الله، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل:٤٠]، وأيضًا يقول الله في عيسى ﵇: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران:٥٩]. وهذا يرد على الذين قالوا بأن القرآن مخلوق وهم المعتزلة والجهمية، وفي السنة أيضًا قال النبي ﷺ -كما صح عنه-: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) فلا يقول عاقل بأن رسول الله ﷺ يستعيذ بالمخلوق من المخلوق، حاشا لله وحاشا لرسوله ﷺ فهو الذي علمنا التوحيد، وبين أن الاستعاذة بغير الله شرك، وهذا فيه دلالة واضحة جدًا على أن الكلمات غير الخلق. وكان النبي ﷺ -كما صح عنه في الصحيحين- يقول: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته) وهذا فيه تفريق بين فعل الله وبين مفعولاته فلما جاء للكلمات قال: ومداد كلماته، دل ذلك على التفريق بين الخلق وبين الكلمات، كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي﴾ [الكهف:١٠٩]. فهذا أيضًا تفريق بين صفة من صفات الله وبين مفعولات الله، فإن فعل الله أمر (كن)، ومفعولات الله (فيكون).

20 / 2