Explanation of the Book of Faith by Abu Ubaid - Al-Rajhi
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد - الراجحي
Genres
رد أبو عبيد نزاع الفرقتين إلى الكتاب والسنة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإنا نظرنا في اختلاف الطائفتين، فوجدنا الكتاب والسنة يصدقان الطائفة التي جعلت الإيمان بالنية والقول والعمل جميعًا، وينفيان ما قالت الأخرى].
بعد أن ذكر المؤلف ﵀ الخلاف في مسمى الإيمان، عمل بقول الله ﷿: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء:٥٩]، وهذه هي طريقة أهل العلم، أنهم يردون ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ عملًا بقول الله ﷿: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء:٥٩]، وقوله: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى:١٠].
فالواجب على المسلم أن يرد ما تنازع فيه الناس، وأن يعرض خلاف الناس وخلاف العلماء على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فما وافق كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فهو الحق، وما خالفهما فهو مردود.
فالمؤلف الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام ﵀ من الراسخين في العلم، ومن أهل العلم والبصيرة، ومن أهل الفقه في الدين، ولذلك رد نزاع هاتين الفرقتين إلى الكتاب والسنة، فوجد أن الكتاب والسنة يوافقان قول جمهور أهل السنة، وأن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، فتبين بهذا أنه الحق، وأن قول مرجئة الفقهاء في إخراج الأعمال عن مسمى الإيمان قول ليس بصحيح، يخالف النصوص في كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ.
قال المصنف: [والأصل الذي هو حجتنا في ذلك اتباع ما نطق به القرآن، فإن الله تعالى ذكره علوًا كبيرًا قال في محكم كتابه: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء:٥٩].
وإنا رددنا الأمر إلى ما ابتعث الله عليه رسوله ﷺ وأنزل به كتابه، فوجدناه قد جعل بدأ الإيمان شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ﷺ، فأقام النبي ﷺ].
المؤلف ﵀ يقول: إن هذه المسألة من مسائل النزاع، والأصل الذي هو حجتنا اتباع ما جاء في القرآن، وقوله: (اتباع ما نطق به القرآن) أخذ من قول الله تعالى: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ [الجاثية:٢٩].
وبين المؤلف ﵀ أن أصل الدين وأساس الملة أن تشهد لله تعالى بالوحدانية، وأن تشهد لنبيه ﷺ بالرسالة، وأن توحد الله وتخلص له العبادة، وهذا هو الأمر الذي أنزل الله به الكتب، وأرسل به الرسل، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:٣٦]، وقال سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:٢٥].
وكل نبي ابتعثه الله يدعو قومه ابتداء إلى توحيد الله وإخلاص الدين له، ويأمرهم بعبادة الله، ويقول: اعبدوا الله، كما قال سبحانه: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف:٥٩]، وقال: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف:٦٥]، وقال: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف:٧٣]، وقال: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف:٨٥].
هذا هو الذي بعث الله به الرسل، وأنزل به الكتب، والنبي ﷺ بعثه الله بين قوم مشركين، فدعاهم إلى التوحيد، وقال لهم: (قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا) ومكث على هذا بضع عشرة سنة، يدعو إلى هذه الشهادة الخاصة، ولم يأمرهم بالصلاة ولا الزكاة ولا الصوم ولا الحج؛ لأن أصل الدين وأساس الملة هو التوحيد، فلا تصح الأعمال إلا بالتوحيد، إلا الصلاة فإنها فرضت أول البعثة لسنة أو لسنتين أو ثلاث على خلاف، فلما هاجر النبي ﷺ إلى المدينة شرع الله الشرائع ففرضت الزكاة في المدينة، وفرض الصوم وفرض الحج، وشرع الأذان، وشرعت الحدود، أما في مكة فإن النبي ﷺ اقتصر على دعوتهم إلى التوحيد؛ لأن التوحيد هو أصل الدين وأساس الملة وهو الذي تبنى عليه الأعمال، ولا تصح الأعمال إلا به، فإذا ثبت التوحيد استقر في القلوب، وعند ذلك تبنى عليه الأعمال وتصح.
أما إذا عمل الإنسان عملًا وهو لم يوحد، كأن يصلي ويصوم ويزكي ويحج وهو مشرك فإن ذلك لا ينفعه، إلا بعد ثبات التوحيد والإيمان في القلب.
2 / 2