Explanation of Tahawiyyah Creed - Yusuf Al-Ghufays
شرح العقيدة الطحاوية - يوسف الغفيص
Genres
قاعدة في الألفاظ المجملة في باب الأسماء والصفات
القاعدة: أن كل لفظ أو جملة تقع مجملة حادثة فإنها لا تطلق لا إثباتًا ولا نفيًا.
هذا إذا لم يكن يعبر بها في كلام أهل التعطيل عن مرادات تخالف عقيدة السلف، وأما إذا اقترن معها هذا المعنى فيكون التباعد عنها والنهي عن استعمالها من باب أولى، ومن المعلوم أن الطحاوي ﵀ من مثبتي العلو، ومن مثبتي الصفات الخبرية كالوجه واليدين، ولكنه نقل تعبيرًا معروفًا في كلام بعض الحنفية من الماتريدية والأشعرية، وفي كلام الأشعرية الشافعية، فكأن هذا دخل عليه من بعض كتب الحنفية، وخاصة أن جمهور كتب الحنفية المكتوبة في أصول الدين بعد أبي حنيفة يقع فيها أوجه من الغلط كثيرة.
ومحصل المراد هنا عند الطحاوي ﵀: أنَّ الله ﷾ مع إثبات صفات الكمال له منزه عن صفات المخلوقين، فليس معنى كونه متصفًا بصفة اليدين أن تكون كأيدي المخلوقين، وليس معنى كونه متصفًا بالعلو أن جهةً من الجهات تحويه، فإن الله منزَّه عن التحيُّز في مكان يحويه ويحيط به.
ومن المعلوم أن لفظ التحيز والجهة وأمثالها هي من الألفاظ المجملة التي لا تطلق إثباتًا ولا نفيًا، لكن نقول: إن السلف ﵏ في تقرير مسألة العلو أجمعوا على أن الله ﷾ موصوف بالعلو، وأنه فوق سماواته، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، وهذا مجمع عليه بين الصحابة وأئمة التابعين ومن تبعهم بإحسان، وهذا هو قول سائر المرسلين وأتباعهم، ولهذا قال بعض الأئمة: (أول من عُرف عنه إنكار العلو فرعون)، وإن كان قد يكون سبقه غيره إلى إنكاره ولكن هذا يراد به العلم المعروف، فإنه قال: ﴿يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا﴾ [غافر:٣٦ - ٣٧]، وهذا دليل على أن موسى ﵊ كان يخاطب فرعون وقومه بأن الله في السماء.
- صفة العلو ثابتة بالعقل والفطرة والشرع:
صفة العلو معلومة بالعقل والفطرة والشرع.
والفرق بين دليل العقل ودليل الفطرة: أن الفطرة هي ما فطر الله الخلق عليه، فلا يحتاج معها إلى نظر ولا إلى استدلال، كفطرته ﷾ لخلقه على إثبات ربوبيته ووجوده وعلى أصل التوحيد، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف:١٧٢].
وأما الدليل العقلي فيراد به هنا الدليل النظري، وهو المذكور في مثل قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ الله مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ﴾ [الأعراف:١٨٥] فإذا تحصَّل بهذا النظر وصول إلى بعض الحقائق، فإن هذا يسمى استدلالًا عقليًا، وله صور أخرى ولكن هذا هو المثل الذي يذكر كثيرًا في القرآن وهو: ربط الاستدلال العقلي بما خلق الله ﷾ وبملكوت السماوات والأرض.
وأما دلالة الشرع فمتواترة، حتى قال بعض أصحاب الإمام الشافعي: (إن في الكتاب والسنة على مسألة العلو أكثر من ألف دليل).
وأيضًا: فإن جماهير المشركين ما كانوا معطلين لهذه الصفة وأمثالها، وترى في شعر الجاهليين أنهم يثبتون أن الله ﷾ في السماء، ولذلك كان من الطرق التي يستعملها بعض أهل السنة أن يقول: أنه لو كان إثبات الصفات معارضًا للعقل لكان أولى بالاعتراض العقلي أهل الشرك، لأنهم لما عارضوا رسالة النبي ﵌ لم يكن عندهم دليل عقلي يطعن في الرسالة، وغاية ما استعملوه أن اتهموا النبي بأنه كاهن، وأنه ساحر، وأنه مجنون، وقالوا: ﴿إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾ [النحل:١٠٣]، مع أنهم من أعلم الناس ببطلان هذه المقالات التي يقولونها، ولو كان إثبات هذه الصفات مخالفًا عندهم للعقل لكان أولى بأن يستخدموه في الطعن في رسالة النبي ﷺ.
8 / 18