أقسام التوسل الممنوع
ذكر العلماء أن التوسل الممنوع محرم، وحرمته تتراوح بين درجات قد يصل بعضها إلى كفر الإنسان، وقد يكون بعضها من الأمور المبتدعة، فمن توسل بالأصنام لأجل أن تشفع له عند الله فلا شك في كفره وردته، لكن التوسل الذي وقع الخلاف فيه هو ثلاثة أنواع: الأول: التوسل بذوات الأشخاص، وهو أن يقول الإنسان: اللهم إني أتوسل إليك بفلان، ويقصد به ذاته، أي: ذات هذا الشخص، كصاحب عبادة أو صلاح أو استقامة، أو دعوة مستجابة، أو أعمال صالحة إلى غيره، فيأتي يقول: اللهم إني أتوسل إليك بفلان أن تغفر لي، أو أتوسل إليك بفلان أن تجيب دعوتي إلى غير ذلك، وهذا التوسل لا يجوز، بل هو من التوسل البدعي المحرم.
التوسل الثاني: التوسل بجاه فلان أو حقه.
والجاه: هي المنزلة، أو أن يكون لهذا الشخص حق عند الله تعالى، ولذلك يتوسل بحق هذا الشخص وبمنزلته، كأن يقول: بجاه محمد، تجد بعض الناس اعتادوا هذه الكلمة، فيريد أن يطلب منك، فكأنه يعظم هذا الأمر في نفسه وفي نفسك، ويقول: بجاه محمد لا تردني عن هذا الطلب.
فنقول: هذا من التوسل البدعي المحرم الذي لا يجوز، والجاه: هي المنزلة والحق والمكانة، وهذا الأمر ليس جائزًا عندنا أبدًا.
القسم الثالث: الإقسام على الله بالمتوسل به، وهو أن يقول: اللهم إني أقسم عليك بفلان أن تقضي حاجتي، وهذا لا شك أنه لا يجوز؛ لوجود الأمر الأول وهو أنه حلف بغير الله تعالى، والرسول ﷺ يقول: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) والأمر الثاني: أنه توسل بدعي لا يجوز شرعًا إطلاقًا.
والأدلة على بيان أن هذا الأمر غير جائز، نحن نتساءل: حين ذكرنا سابقًا وقعدنا أن التوسل هو تقرب إلى الله، والأشياء التي نتقرب بها إلى الله هي نوع تعبد، والأصل في العبادات التوقيف ولابد من نص، فهذا الآن كأنه يتعبد إلى الله تعالى بشيء لم يوجد عليه دليل من كتابٍ ولا سنة، هل يوجد نص يدل على جواز التوسل بالذات أو بالمكانة أو الجاه أو بالشخص أو الإقسام؟ لا، وبناءً عليه نقول: هذا التوسل بدعي.
الأمر الثاني: أننا لا نجد أحدًا من الصحابة ﵃ وأرضاهم كانوا يعملون مثل هذا العمل، ونجد أن الرسول ﷺ لما ذكر الفرقة الناجية قال: (من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) ربطنا بالصحابة ﵃؛ لأنهم أعظم مثال لتطبيق هذا الدين، فإذا لم يأتِ نص من كتاب ولا سنة، ثم إنه كذلك لا يوجد له من فعل الصحابة شيء، دل على أنه محدث، كما أننا نقول في قضية: أسألك التوسل سواء بالذات أو بغيره كأن تقول: بهذا الشخص أعطني، فما الرابطة بين دعائك وبين ذات الشخص، أو بجاهه ومنزلته، كون الإنسان له منزلة عند الله تعالى كمحمد ﷺ والأولياء والصالحين فلهم منازل عند الله، ما وجه الرابطة بين سؤالك وبين منزلتهم؟ لا رابطة بينهما أصلًا.
لكن لو جاء إنسان وقال: اللهم إنك تغفر لأوليائك وتعفو عنهم وتعطيهم الجنات العليا، اللهم إني أسألك أن تعطيني أجرًا وثوابًا وتغفر لي، فهذا جائز؛ لأنك أخبرت بفعل لله تعالى، وكأنك قدمت شيئًا من أسماء الله وصفاته وهذا أمر مشروع، فدل على أن التوسل البدعي هي الأنواع الثلاثة.
السؤال هنا الذي يأتي: عندما قال المؤلف ﵀:
ومودة القربى بها أتوسل
هذا التوسل من أي أنواع التوسل؟ الجواب: من التوسل الجائز، توسل بالعمل الصالح مثلما تقول: اللهم إني أحب أولياءك وأحب دينك، وأحب ما جئت به من شرعك فاغفر لي، مثلما نقول: نحن نحب هؤلاء الصالحين، ونحب رسولك، ونحب قرابة نبيك ﷺ، فنسألك أن ترزقنا بهذه أجرًا وثوابًا من عند الله تعالى.
9 / 3