251

Sharḥ al-ʿAqīda al-Ṭaḥāwiyya - Ṣāliḥ Āl al-Shaykh = Ittiḥāf al-Sāʾil bimā fī al-Ṭaḥāwiyya min masāʾil

شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

Genres

[المسألة العاشرة]:
وهي في إثبات الأسباب، وأنَّ أفعال الله ﷿ مُعَلَّلَة، وأنَّ الله ﷾ يفعل الفعل لعِلَّة، ويأمر بالأمر لعلة.
وهذه العلة هي حكمته ﷿ لإيجاد ذلك الشّيء.
وهذا في الأمور الكونية وفي الأمور الشرعية.
فما أحْدَثَهٌ الله ﷿ في ملكوته أمْرًا فَحَدَثْ فَلَهُ حِكْمَة ﷿ من إيجاده.
وما أَمَرَ الله ﷿ به في الشرع من الأحكام التشريعية أو نهى عنه فهو لعلة.
فالله سبحانه يأمر في الشرع بما مصلحته راجحة أو تامة، وينهى في الشرع عن ما مفسدته تامة أو راجحة.
فإذًا أهل السنة والجماعة يُثبتون التعليل في أفعال الله ﷿، وأنّ أفعال الله ﷾ الكونية وأوامره الكونية والشرعية كلّها مرتبطة بِحِكَمْ عظيمة كما قال سبحانه ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾ [القمر:٥] .
إذا تبين ذلك ففي القرآن إثبات أفعال الله ﷿ مُعَلَّلَة، وتنزيه الله ﷿ عن أن يفعل الفعل لا لعلة كما قال سبحانه ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء:١٦-١٨] .
وقال أيضًا ﷿ للسموات والأرض ﴿مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالحَقِّ﴾ [الدخان:٣٩]، وقال ﷿ ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [الحج:٦٢]، وفي الأشياء الشرعية -الأوامر والنواهي- الأدلة على التعليل كثيرة جدًّا جدًا.
المقصود من هذا أنَّ الله ﷾ إذا كانت أفعاله مُعَلَّلَة، فأفعاله ﷿ لم يفعلها في مخلوقاته مباشرة دون وسائط؛ بل جَعَلَ الله ﷿ إيصال الفعل إلى نهايته مَنُوطًَا بأسباب، وكلُّ سَبَبٍ يُحدِثُ مُسَبَّبًَا.
ولهذا قال أهل السنة بإثبات التعليل في أفعال الله ﷿ والأسباب.
وأما أهل البدع من الجبرية وغيرهم فإنهم ينفون العِلَلْ وبالتالي ينفون الأسباب.
ولذلك يقال للجبرية -الأشاعرة ومن نحا نحوهم- يقال لهم نُفَاة الأسباب.
وهم في الحقيقة نُفَاةُ التعليل، يقولون: أفعال الله ﷿ غير معللة.
فإذًا السبب لا يُنْتِجُ المُسَبَّبْ؛ ولكن يَحْدُثُ عنه المُسَبَّبْ عند الالتقاء.
وهذا القول -يعني في نفي الأسباب والتعليل- قول ابن حزم وجماعة من الذين ظاهرهم متابعة الحديث.
إذا تبين ذلك فإنَّ حقيقة السبب؛ بأنَّ الله ﷿ يخلق شيئًا ويأمر بشيء أمرًا كونيًا ويكون ذلك سببًا لأشياء كثيرة.
فمثلًا إنزال المطر من السماء، الله ﷿ أمَرَ بإنزاله، وفي إنزاله حِكْمَةٌ لله ﷿.
وأمْرُهُ ﷾ بأن يُنزَلَ هذا الماء على الأرض مرتبط بعلة؛ لأنَّ الأرض حياتها بالماء، وأيضًا إنزال المطر على هذه الأرض المعينة مرتبط بعلة الله ﷿ يعلمها وكما قال في بعض حكمته ﴿وَلَقَدْ صَرَفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورَا﴾ [الفرقان:٥٠] .
إذا تبين ذلك فالماء ينتج عنه شيء آخر، الماء سَبَبْ، والله ﷾ بَيَّنَ أنه أَنْبَتَ النبات بالماء ﴿فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ [النمل:٦٠]، ﴿فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ﴾ [ق:٩٠]، ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ﴾، إذًا صارت كلمة ﴿بِهِ﴾ هذه تدل على أنَّ الإخراج بالماء، وأنَّ الماء بسببه صار الإخراج؛ يعني الماء أنتج الإخراج.
أما غير أهل السنة فماذا يقولون؟
يقولون عند التقاء الماء بالأرض حَصَلَ النبات، فيُفَسِّرُونَ حرف (بِـ) بنحو كلمة (عند) مِنَ الكلمات.
فإذًا عندهم عِنْدِيَّةْ ولذلك ينفون السبب.
يقولون: الماء لم يُنْبِتْ إلا على المَجَازْ العقلي، كما تقولُ: أَنْبَتَ الماء البقلَ والمنبِتُ هو الله ﷿.
ولذلك يذكرون هذه القاعدة في كتب العقائد وفي كتب البلاغة الذي يسمونه المجاز العقلي: أنبت الربيع البقل أو نحو ذلك.
فإذًا نقول: إنَّ الله ﷿ من حكمته أنه خلق الأشياء وجعلها أسبابًا لأشياء.
خَلَقَ ماء الرجل وجعله سببًا لحمل المرأة، خَلَقَ اللباس وجعله سببا للدفء، خَلَقَ السّرابيل لِعِلَّة، خَلَقَ الأشياء لعلة، وهكذا فما من شيء تراه إلا وله حكمة، حتى في المُؤْذِيَات، حتى الهوام، حتى الحشرات، حتى ما تتأذى منه وتظن أنَّهُ لا حكمة فيه، فإنَّ فيه حكمة بالغة لله ﷻ وتقدست أسماؤه، هذه كلها أسباب والأسباب تُحْدِثْ المسببات.
إذًا حقيقة قول نفاة الأسباب أنهم يقولون: إنَّ السبب يُحدِثْ المُسَبَبْ عند الالتقاء؛ لكن لا يُنْتِجُهُ بالإقتِضَاءْ، يعني لا ينتجه بما جعل الله ﷿ فيه من التأثير.

1 / 251