196

Sharḥ al-ʿAqīda al-Ṭaḥāwiyya - Ṣāliḥ Āl al-Shaykh = Ittiḥāf al-Sāʾil bimā fī al-Ṭaḥāwiyya min masāʾil

شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

Genres

[المسألة السادسة]:
أَنَّ الشرب من الحوض -ورود الحوض- له أسباب في هذه الدنيا ينبغي؛ بل يجب على الموحّد أن يحرص عليها، بل يجب على كل مسلم أن يحرص عليها:
١ - أن يكون غير مُحْدِث في الدين حَدَثًَا؛ يعني كلُّ ما لم يكن على عهده ﷺ من أنواع الاعتقاد والعلم فإنه يجب ردُّه، يعني أن لا يَعْتَبِرَهُ حقًَّا.
فإذًا العقيدة والدين هو الذي كان عليه ﷺ وأصحابه في عهده، فكلّ من أتى بشيءٍ جديدٍ فإّنه لا يأمَن أن يكون داخلا في قوله «إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك»، حتى إنَّ أهل العلم أدْخَلُوا في ذلك كما سمعت كل من أَحْدَثَ بِدْعَة في الاعتقاد من: المرجئة والخوارج والمعتزلة والكلاّبية والرّافضة والسّبئية إلى غيرها من الفرق الغالية والمتوسطة والخفيفة، كل من أحدث حدثًَا يدخل في ذلك.
* فلهذا يجب على الموحد وعلى المؤمن أن يحرص تمامًا على أن يحظى بهذه التَّكرمة العظيمة وهو ورود حوض النبي ﷺ الذي (من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا) (١) وأمِن في يوم الفزع أمن في يوم الحَزَن حيث قال الله؟ ﴿لَا يَحْزُنُهُمْ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء:١٠٣]، ومن أسباب عدم الحَزَن أنه يأمن قبل تطاير الصحف بأن يشرب من حوض النبي ﷺ.
لذلك صار اهتمام المهتم بالتوحيد وبالعقيدة وبالدين الصحيح لأجل أن يأمن على نفسه وأن يحظى بهذه التّكرمة العظيمة يوم القيامة.
٢- أن يُخَلِّصَ قلبه من الغش والغل لخيرة هذه الأمة وهم صحابة رسول الله ﷺ، فإنَّ النبي ﷺ معه من أحب، والصحابة معه يوم القيامة كما ثبت «أنت مع من أحببت» (٢)، وإذا كان كذلك فلا يجوز لأحد أن ينتقد الصحابة أو أن يُبغض بعضًا منهم أو نحو ذلك؛ بل يجب عليه أن يحب الجميع فلعله أن يحشر في زمرتهم وأن يرد حوض نبيه ﷺ معهم.
٣- أن يكون بعيدًا عن الافتراء في دين الله؟؛ كما ذكرت لك من الحديث الصحيح أن النبي ﷺ ذَكَرَ أنَّ من صفة الذين لا يردون عليه الحوض قال «يكون بعدي أمراء فمن صدّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولن يرد عليّ الحوض»، وهذا الأمر شديد في أنَّ المرء لا يكذب على اسم الله، وأيضًا إذا خالط أحدًا فلا يصدقه على كَذِبِهْ، فلا يصدّق من يكذب على دين الله.
ولهذا المسألة العظيمة هي هذه؛ في أنَّ المرء يَعْلَمْ الدين ويعتقد الاعتقاد الصحيح ويَعْلَمْ الشريعة ولا يعين المرء المسلم مَنْ كَذَبَ على الدين؛ بل يجب عليه أن لا يُصَدِّقَ أحدًا في كَذِبِه وأن لا يُعِينَ أحدًا على ظلمه، بل يسأل الله؟ السلامة والعافية.
وأكثر ما يورد الناس النار يوم القيامة اللسان، فذلك ينتبه المرء بأنه لا يقول شيئًا يكون كذبًا على الدين، يعني قد تقول لا أدري والمسألة سهلة، أو إن استطعت أن تنطق بالحق، فهذا يعني فيمن كذب على دين الله فهذه مرتبة عظمى.
أما أن يقول المرء في دين الله؟ بما لا يعلمه فهذا قد يكون افتراء على الدين.
ولهذا ذكر السَّفَّاريني ﵀ في عقيدته المعروفة في منظومته ذكر جملة هذه الصفات بقوله:
عنه يُذادُ المفتري كما ورد ومن نحا سبل السلامة لم يُرَد
أي أَنَّهُ يُذاد عن الحوض المُفْتَرِي على الله؟؛ يعني من كَذَبَ على الله؟ في العقيدة أو في الدين فنسب شيئًا إلى الله؟ أو إلى دينه إنما هو محض تَخَرُّصْ منه، ما اجْتَهَدَ اجْتِهَادًَا أخْطَأَ فيه أو هو معذور في اجتهاده؟ لا، وإنما هو مَحْضُ تَخَرُّْص واستهانة وعدم مبالاة بما ينسبه للشريعة وللدين، وهذا أمْرٌ يجب على المرء أن يحافظ على لسانه من أن يفتري على الله؟، والله سبحانه نَهَى عن أن يُقَال عليه ما ليس للمرء به علم فقال ﴿وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:٣٣]، فقَرَنَ بين الشرك وبين القول على الله بلا علم.
٤- أن يبتعد المرء عن الكبائر والذنوب؛ عن المداومة عليها، وإذا أَذْنَبَ يرجع ويستغفر لأنَّ جمعًَا من أهل العلم قالوا إنَّ الذين يُلَازِمُونَ الكبائر لا يرِدُون الحوض، وأخذوا ذلك من قوله ﷺ فيقال «إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك»، والناس في عهد النبي ﷺ كانوا إذا أذْنَبُوا اسْتَغْفَرُوا ولم يكن بينهم -يعني من الصحابة- ممن هو مداوم على الكبيرة غير تائب منها.
لهذا يحرص المرء على أن يأتي بالسبب الذي به غفران الله؟، وأن يُكْرِمَهُ الله بحوض نبيه ﷺ في أنه يبتعد عن الكبائر والموبقات والآثام، وأنّه إذا غشي شيء من المعاصي فيُنيب ويستغفر ويُتْبِع السَّيئة الحسنة لتُمحى عنه السيئات.
أسال الله ﷿ أن يجعلني وإياكم ممن أُكْرِمَ بالورود على حوض النبي ﷺ، وصلى الله وسلّم على نبينا محمد.
مباحث الحوض كثيرة لو نسيت شيئا منها ستجدونه إن شاء الله في الكتب المختصّة.

(١) الترمذي (٢٤٤٤) / ابن ماجه (٤٣٠٣)
(٢) البخاري (٣٦٨٨) / مسلم (٦٨٧٨) / الترمذي (٢٣٨٥)

1 / 196