Explanation of al-Tahawi's Creed by Saleh Al-Sheikh
شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل
Genres
1 / 1
1 / 2
1 / 3
هذه المقدمة اشتملت على مسائل: [المسألة الأولى]: أنَّ هذه عقيدة، والعقيدة فَعِيلَة بمعنى مَفْعُولْ؛ يعني مَعْقُودًَا عليه. والمسائل منقسمة إلى أخبار وأحكام كما قال ﷿ ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام:١١٥] . تمت كلمة الله على هذين القسمين: صدقًا في الأخبار، وعدلًا في الأوامر والنواهي. والأخبار يجب تصديقها. فما كان مرجعه إلى التصديق والإيمان به ولا دخل للعمليات به فإنه يُسَمَّى عقيدة؛ لأنّ مرجعه إلى علم القلب. فسُمِّي هذا عقيدة لأنه معقودٌ عليه القلب - يعني كأنَّهُ دخل إلى القلب فعُقِدَ عليه فلا يخرج منه من شدة الاستمساك به ومن شدة الحرص عليه - لأنْ لا يخرج أو ينفلت. وهذا اللفظ لفظ (العقيدة) كما ذكرتْ راجعٌ إلى علم القلب؛ لأنه هو الذي يُعْقَدُ الشيء الذي فيه، وأمَّا العمليات فهذه من الإيمان -كما هو معروف- لكن مورِدُهُا عمل الجوارح، لذلك لم تدخل في العقيدة. وهناك ألفاظ مرادفة للعقيدة للدلالة على ما ذكرنا وهي: التوحيد، السنة، الشريعة، وأشباه ذلك: - فمنها ما يكون مختصًّا بالعقيدة كالتوحيد. - ومنها ما يكون لها ولغيرها كالسنة والشريعة، فإنَّ لفظ الشريعة يشمل العقيدة أيضًا؛ لأنَّ الله ﷿ بَيَّنَ لنا أنَّ الأنبياء اجتمعوا على شريعةٍ واحدة فقال ﷿ ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى:١٣]، فهذه شريعةٌ أُجْمِعَ عليها بين المرسلين، والمقصود بها التوحيد والعقيدة الواحدة. وتأتي الشريعة ويُرَادُ منها العمليات كما قال ﷿ ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة:٤٨]، وكما ثبت في الصحيح أنه ﷺ قال (الأنبياءُ إِخْوة لعَلاّتٍ الدين واحد والشرائع شَتّى) (١) . نخْلُصُ من ذلك إلى أنَّ التصانيف في العقيدة قد تكون باسم: العقيدة أو باسم التوحيد أو باسم السنة أو باسم الشريعة كما هو موجودٌ فعلًا في تصانيف أئمة أهل السنة والجماعة. _________ (١) البخاري (٣٤٤٣) / مسلم (٦٢٧٩)
1 / 4
(١) أبو داوود (٤٥٩٦) / الترمذي (٢٦٤٠) / ابن ماجه (٣٩٩٣) (٢) أبو داوود (٤٦٠٧) / الترمذي (٢٦٧٦) / ابن ماجه (٤٢)
1 / 5
(١) لوائح الأنوار البهية. كما في المنجد في اللغة والأعلام.
1 / 6
1 / 7
قوله (نقُولُ) هذا لأنه لا يُكْتَفَى في الاعتقاد باعتقاد القلب؛ بل لا بد من قول اللسان. وأعظم قول اللسان وكافِيْهْ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لأنَّ العقيدة الصحيحة اعتقادٌ بالجنان، وقولٌ باللسان حتى يكون الإيمان صحيحًا، ثم امتثال العمليات في الأمر والنهي. وقوله (مُعتَقدينَ) هذه حال من (نقُولُ) يعني أقول حَالَةَ كوني معتقدا هذا الكلام، عاقدا عليه قلبي، غير متردد فيه ولا مرتاب. فـ (مُعتَقدينَ) ولو تأخرت فهي حال من الضمير في (نقُولُ) . وقوله (بتوفيق الله) هذه استعانة بالله ﷿ أنْ يوفقه في القول الحق في ذلك. والتوفيق اختلفت فيه التفسيرات بما سيأتي بيانه إن شاء الله مفصلًا في ذكر مسائل القدر، فأهل السنة لهم تفسير للتوفيق وللخذلان، وأهل البدع كلٌ له مَشْرَبُه في تفسير التوفيق والخذلان. قال (نقُولُ في تَوحيدِ الله مُعتَقدينَ بتوفيق الله: إنَّ الله واحدٌ لا شريكَ لَهُ) اشتملت هذه الجملة على ذِكر التوحيد وعلى تفسيره. وكلمة (التوحيد) هذه مصدر: وَحَّدَ، يُوَحِّدُ، تَوْحِيدًا؛ يعني جَعَلَ الشيء واحداُ. قد جاء في السنة عن النبي ﷺ أنه قال في حديث معاذ (إنّك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه إلى أنْ يوحدوا الله) (١)، وجاء أيضا في قول الصحابي ﵁ (فأهلَّ رسول الله ﷺ بالتوحيد) (٢) في قوله لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك -التلبية المعروفة في أول الحج-، (فأهلَّ رسول الله ﷺ بالتوحيد)، فإذًا كلمة (التوحيد) جاءت في السنة. ومعنى التوحيد كما ذكرنا جعل الشيء واحدًا في اللغة، فتوحيد الله معناه أنْ تجعل الله واحدًا. واحِدْ فيما وحَّدَ الله ﷿ نفسه فيه فيما دلت عليه النصوص. والنصوص دلَّت على أنَّ الله واحدٌ في ربوبيته، واحدٌ في إلهيته، واحدٌ في أسمائه وصفاته. فالتوحيد إذًا في الكتاب والسنة راجع إلى توحيد الربوبية، توحيد الإلهية، توحيد الأسماء والصفات، وهذا على التقسيم المشهور. وقَسَمَهُ بعض أهل العلم إلى تقسيمٍ آخر وهو أنَّ توحيد الله ينقسم إلى قسمين؛ ينقسم: - إلى توحيدٍ في المعرفة والإثبات. - وإلى توحيدٍ في القصد والطلب. وعَنَى بقوله (في المعرفة والإثبات) في معرفة الله ﷿ بأفعاله، وهذا هو الربوبية و(الإثبات) له فيما أثبت لنفسه، وهذا هو الأسماء والصفات. وقوله (في القصد والطلب) وهو توحيد الإلهية. وتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام: الربوبية والألوهية والأسماء والصفات جاء في عبارات المتقدمين من أئمة الحديث والأثر، فجاء عند أبي جعفر الطبري في تفسيره وفي غيره من كتبه، وفي كلام ابن بطة، وفي كلام ابن منده، وفي كلام ابن عبد البر، وغيرهم من أهل العلم من أهل الحديث والأثر، خلافًا لمن زعم من المبتدعة أنَّ هذا التقسيم أحدثه ابن تيمية، فهذا التقسيم قديم يعرفه من طالع كتب أهل العلم التي ذكرنا. إذا تقرر ذلك: فمعنى توحيد الربوبية: اعتقاد أنَّ الله واحدٌ في أفعاله سبحانه لا شريك له. وأفعال الله ﷿ منها خَلْقُه سبحانه، ومنها رَزْقُهُ وإحياؤه وإماتته وتدبيره للأمر وإغاثته للناس ونحو ذلك يعني أنَّ توحيد الربوبية راجعٌ إلى أفراد الربوبية التي هي السيادة والتصرف في الملكوت. فكل ما رَجَع إلى السيادة والتصرف في الملكوت رجع إلى توحيد الربوبية. فالإيمان بتوحيد الربوبية معناه أنَّهُ إيمانٌ بأنَّ الله وحده لا شريك له هو المتصرف في هذا الملكوت أمْرًَا ونهيًا، هو الخالق وحده، وهو الرَّزَاقُ وحده، وهو المحيي المميت وحده، وهو النافع الضار وحده، وهو القابض الباسط وحده في ملكوته، إلى آخر مفردات الربوبية، كما قال ﷿ ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [يونس:٣١]، فأثبت أَنَّهُم أقروا بالرُّبُوبِيَّة، وأنْكَرَ عليهم أنهم لم يتقوا الشرك به وتَرْكَ توحيد الإلهية. وتوحيد الإلهية: هو توحيد الله بأفعال العبيد. التوحيد في القصد والطلب؛ بأن يُفْرِدَ العبد ربه ﷿ في إنابته وخضوعه ومحبته ورجائه، وأنواع عبادته من صلاته وزكاته وصيامه ودعائه وذبحه ونذره إلى آخر أفراد العبادة بما هو معلوم في توحيد الإلهية. _________ (١) البخاري (١٤٩٦) / مسلم (١٣٠) (٢) مسلم (٣٠٠٩) / ابن ماجه (٣٠٧٤)
1 / 8
(١) البخاري (٥٠) / مسلم (١٠٢)
1 / 9
(١) يأتي ذكره (٣٣٢) (٢) سورة النساء في الآيتين:٤٨ و١١٦.
1 / 10
1 / 11
(١) الأنعام:٥٧، يوسف:٤٠، يوسف:٦٧.
1 / 12
هذه الجمل الثلاث وهي قوله (وَلا شيءَ مِثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ) تفصيلٌ لما يعتقده في توحيد الله ﷿. والتوحيد -كما ذكرنا- منقَسِمٌ إلى الأقسام الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الإلهية. فذَكَرَ هذه الأقسام الثلاث في قوله (وَلا شيءَ مثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ) . فقوله (وَلا شيءَ مثْلُهُ) راجِعٌ إلى توحيد الأسماء والصفات والأفعال. وقوله (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ) راجع أو مُثْبِتٌ لتوحيد الربوبية. وقوله (وَلا إلهَ غَيْرُهُ) مثبتٌ لتوحيد العبادة والألوهية. وقدَّمَ ﵀ ما يدل على توحيد الأسماء والصفات بعد ذِكْرِ توحيد الإلهية في قوله (إنَّ الله واحدٌ لا شريكَ لَهُ)؛ لأنَّ النزاع كائنٌ في توحيد الإلهية وفي توحيد الأسماء والصفات. فَمَعَ أهل الشرك النزاع في توحيد الإلهية، وهو الذي كان النزاع فيه ما بين الرسل وبين أقوامهم. ولهذا قَدَّمَ ما يعتقده بقوله (إنَّ الله واحدٌ لا شريكَ لَهُ) لأنَّ هذا هو حقيقة النزاع بين الرسل وبين أقوامهم. ثم قال (وَلا شيءَ مثْلُهُ) لأن هذا هو حقيقة النزاع ما بين أهل السنة والجماعة وما بين مخالفيهم من المبتدعة على أصنافهم من المجسمة والمعطلة والنفاة وأشباه هؤلاء. وأيضا قَرَنَ بينهما لأنَّ البدع بريد الشرك، فإنَّ تَرْكَ تنزيه الله ﷿ عن مماثلة المخلوقين تؤدي إلى الشرك به ﷿، ولهذا قال من قال من السلف (المعطِّل يعبد عدما والممثل يعبد صنما) (١) . فالتمثيل ثَمَّ اقترانٌ بينه وبين الشرك؛ لأنَّ الممثل اتَخَذَ صورَةً جَعَلَهَا على صفات معينة فصارت صنمًا له، كما أنَّ المشركين عبدوا الأصنام واتخذوها آلهة. وأما قوله (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ) فهو توحيد الربوبية كما سيأتي ذلك مفصلا. إذًا فترتيب المصنف الطحاوي ﵀ لهذه الجمل الأربع ترتيبٌ مناسب، وهو مَتَنَقِلٌ بِفَهْمٍ في أمور الاعتقاد وموقف أهل السنة وأهل الإسلام من مخالفيهم. والجملة الأولى في هذا اليوم هي قوله (وَلا شيءَ مثْلُهُ) والكلام عليها يكون في مسائل: _________ (١) مجموع الفتاوى (٥/١٩٦) / الصواعق المرسلة (١/١٤٨)
1 / 13
1 / 14
1 / 15
(١) طه:١١٤، المؤمنون:١١٦. (٢) يوسف:٤٣، ٥٠، ٥٤.
1 / 16
(١) الجمعة:١، التغابن:١.
1 / 17
(١) انتهى الشريط الأول
1 / 18
ومعنى (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ) يعني أنه ﷾ لا شيء مما يصح أن يُطلق عليه أنه شيء يعجزه ﷿ ويُكْرِثُهُ ويُثْقِلُهُ ولا يكون قادرا عليه، بل هو سبحانه الموصوف بكمال القدرة وكمال العلم وكمال اتصافه بالصفات وكمال القوة، فلذلك لا شيء يعجزه ﷾. (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ) فيها تقرير لتوحيد الربوبية كما ذكرنا آنفا؛ لأن نفي العجز لأجل كمال القدرة، كمال الغنى، وكمال قوته ﷾، وهذا راجع إلى أفراد توحيد الربوبية. وفي الكلام على قوله (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ) مسائل:
1 / 19
1 / 20