الْمُتَأَخِّرُونَ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ (١) وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّ السَّلَفَ لَمْ يَكُونُوا يفوِّضون فِي عِلْمِ الْمَعْنَى، ولا كانوا يقرؤون كَلَامًا لَا يَفْهَمُونَ مَعْنَاهُ؛ بَلْ كَانُوا يَفْهَمُونَ مَعَانِيَ النُّصُوصِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَيُثْبِتُونَهَا لِلَّهِ ﷿، ثُمَّ يفوِّضون فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ كُنْهِ الصِّفَاتِ أَوْ كيفيَّاتها (٢)؛ كَمَا قَالَ مَالِكٌ حِينَ سُئِلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ اسْتِوَائِهِ تَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ:
«الِاسْتِوَاءُ معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ» (٣) .
(١) سيأتي التعريف بهم (ص١٣٠) .
(٢) المفوِّضة: هم الذين يُثْبِتُون الصفات، ويفوِّضون علم معانيها إلى الله.
وأهل السنّة والجماعة يُثْبِتُون الصفات وعلم معانيها، ويفوِّضون علم كيفيتها إلى الله تعالى.
ومَن قال: أنا أثبت الصفات وأفوِّضُ علمها إلى الله؛ قلنا له: ماذا تعني بعلمها؟ علم المعنى؟ أم علم الكيفية؟
(٣) ذكره البيهقي في «الأسماء والصفات» (٥١٥) عن الإمام مالك بإسناد جوَّده الحافظ في «الفتح» (١٣/٤٠٧) .
وورد عن ربيعة الرأي، شيخ مالك. ذكره: البيهقي في «الأسماء والصفات» (ص٥١٦)، واللالكائي في «شرح اعتقاد أهل السنة» (٣/٣٩٨) .
وورد أيضًا عن أم سلمة مرفوعًا وموقوفًا.
ولكن قال ابن تيمية في «الفتاوى» (٥/٣٦٥):
«وقد رُوِيَ هذا الجواب عن أم سلمة ﵂ موقوفًا ومرفوعًا، ولكن ليس إسناده مما يُعْتَمَدُ عليه» .
وقال الألباني عن المرفوع في «شرح الطحاوية» (ص٢٨١):
«لا يصح» .
ثم قال:
«والصواب عن مالك أو أم سلمة، والأول أشهر» .