233

Sharḥ al-ʿAqīda al-Wāsiṭiyya liʾl-Harrās

شرح العقيدة الواسطية للهراس

Publisher

دار الهجرة للنشر والتوزيع

Edition Number

الثالثة

Publication Year

١٤١٥ هـ

Publisher Location

الخبر

Genres

/ش/ وَقَدْ تَوَاتَرَتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَدَلَّتِ الْوَقَائِعُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى وُقُوعِ كَرَامَاتِ اللَّهِ لِأَوْلِيَائِهِ المتَّبعين لِهَدْيِ أَنْبِيَائِهِمْ.
وَالْكَرَامَةُ أَمْرٌ خارقٌ لِلْعَادَةِ، يُجْرِيهِ اللَّهُ عَلَى يَدِ وليٍّ مِنْ أَوْلِيَائِهِ (١)؛ مَعُونَةً لَهُ عَلَى أَمْرٍ دينيٍّ أَوْ دنيويٍّ.
ويفرِّق بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُعْجِزَةِ بِأَنَّ الْمُعْجِزَةَ تَكُونُ مَقْرُونَةً بِدَعْوَى الرِّسَالَةِ، بِخِلَافِ الْكَرَامَةِ.
ويتضمَّن وُقُوعُ هذه الكرامات حكم وَمَصَالِحَ كَثِيرَةً؛ أَهَمُّهَا:
أَوَّلًا: أَنَّهَا كَالْمُعْجِزَةِ، تَدُلُّ أَعْظَمَ دَلَالَةٍ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ، وَنُفُوذِ مَشِيئَتِهِ، وَأَنَّهُ فعَّال لِمَا يُرِيدُ، وَأَنَّ لَهُ فَوْقَ هَذِهِ السُّنَنِ وَالْأَسْبَابِ الْمُعْتَادَةِ سُنَنًا أُخْرَى لَا يَقَعُ عَلَيْهَا عِلْمُ الْبَشَرِ، وَلَا تُدْرِكُهَا أَعْمَالُهُمْ.
فَمِنْ ذَلِكَ قِصَّةُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَالنَّوْمُ الَّذِي أَوْقَعَهُ اللَّهُ بِهِمْ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ، مَعَ حِفْظِهِ تَعَالَى لِأَبْدَانِهِمْ مِنَ التَّحَلُّلِ وَالْفَنَاءِ.
وَمِنْهَا مَا أَكْرَمَ اللَّهُ بِهِ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ مِنْ إِيصَالِ الرِّزْقِ إِلَيْهَا وَهِيَ فِي الْمِحْرَابِ؛ حَتَّى عَجِبَ مِنْ ذَلِكَ زَكَرِيَّا ﵇، وَسَأَلَهَا: ﴿أَنَّى لَكِ هَذَا﴾ (٢) .
وَكَذَلِكَ حَمْلُهَا بِعِيسَى بِلَا أَبٍ، وَوِلَادَتُهَا إِيَّاهُ، وَكَلَامُهُ فِي الْمَهْدِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
ثَانِيًا: أَنَّ وُقُوعَ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مُعْجِزَةٌ لِلْأَنْبِيَاءِ؛ لِأَنَّ

(١) الوليُّ: هو من فعل المأمور، وترك المحظور، وصبر على المقدور، فأحب الله وأحبه، ورضي عنه. انظر: رسالة «الفرقان» لشيخ الإسلام ابن تيمية.
(٢) آل عمران: (٣٧) .

1 / 253