56

Al-tabshīr waʾl-istiʿmār fī al-bilād al-ʿarabiyya: ʿarḍ li-juhūd al-mubashshirīn allatī tarmī ilā ikhdāʿ al-sharq li-l-istiʿmār al-gharbī

التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي

Publisher

المكتبة العصرية-صيدا

Edition

الخامسة

Publication Year

١٩٧٣

Publisher Location

بيروت

Genres

الفَصْلُ الثَّانِي: التَّطْبِيبُ حِيلَةٌ لِلْتَّبْشِيرِ:
حينما يتخرج الطبيب في كليته يُقْسِمُ، بعد أن يتسلم الشهادة، يمينًا تمسى يمين أبقراط، وتعرف في الكتب العربية باسم وصية أبقراط. وصورة هذا العهد هكذا (١): «إِنِّي أُقْسِمُ بِاللهِ رَبِّ الحَيَاةِ وَوَاهِبِ الصِّحَّةِ وَخَالِقِ الشِّفَاءِ وَكُلِّ عِلاَجٍ، وَأُقْسِمُ بِأَسْقِلِبْيُوسْ (٢)، وَأُقْسِمُ بِأَوْلِيَاءِ اللهِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا وَأُشْهِدُهُمْ جَمِيعًا عَلَى أَنَّنِي أَفِي بِهَذِهِ اليَمِينِ وَهَذَا الشَّرْطِ ... وَأَقْصِدُ فِي جَمِيعِ التَّدَابِيرِ، بِقَدْرِ طَاقَتِي، مَنْفَعَةَ المَرْضَى. وَأَمَّا الأَشْيَاءُ التِي تَضُرُّ بِهِمْ وَتُدْنِي مِنْهُمْ بِالجَوْرِ عَلَيْهِمْ فَأَمْنَعُ مِنْهَا بِحَسَبِ رَأْيِي. وَلاَ أُعْطِي - إِذَا طُلِبَ مِنِّي - دَوَاءً قَتَّالًا وَلاَ أُشِيرُ أَيْضًا بِمِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا لاَ أَرَى أَنْ أُدْنَي مِنَ النِّسَاءِ فَرْزَجَةً (٣) تُسْقِطُ الجَنِينَ. وَأَحْفَظَ نَفْسِي فِي تَدْبِيرِي وَصِنَاعَتِي عَلَى الزَّكَاةِ وَالطَّهَارَةِ ... وَكُلِّ المَنَازِلِ التِي أَدْخُلُهَا إِنَّمَا أَدْخُلُ إِلَيْهَا لِمَنْفَعَةِ المَرْضَى، وَأَنَا بِحَالٍ خَارِجَةٍ عَنْ كُلِّ جَوْرٍ وَظُلْمٍ وَفَسَادٍ إِرَادِيٍّ مَقْصُودٍ إِلَيْهِ فِي سَائِرِ الأَشْيَاءِ ... وَأَمَّا الأَشْيَاءُ التِي أُعَايِنُهَا فِي أَوْقَاتِ عِلاَجِ المَرْضَى أَوْ أَسْمَعُهَا، أَوْ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ عِلاَجِهِمْ، فِي تَصَرُّفِ النَّاسِ مِنَ الأَشْيَاءِ التِي لاَ يُنْطَقُ بِهَا خَارِجًا فَأَمْسِكُ عَنْهَا وَأَرَى أَنَّ أَمْثَالَهَا لاَ يَنْطِقُ بِهِ ...».
هذه اليمين تنكشف عن نفس نبيلة إنسانية، ذلك لأن المريض المتألم يضحي أشياء كثيرة في ملكه حتى يتخلص من آلامه. وإذا رأى أحد قريبًا له أو ابنًا على الأصح مريضًا زاد رضاه بالتضحية وَقَلَّتْ قِيمَةُ كُلِّ شَيْءٍ في عينيه في سبيل شفاء ابنه أو أمه أو أبيه أو زوجه

(١) " طبقات الأطباء ": ١/ ٢٥.
(٢) أَسْقِلِبْيُوسْ: أول من تكلم في الطب من اليونانيين كما ذكر مؤرخو الطب (" طبقات الأطباء ": ١/ ١٤).
(٣) كذا بالأصل.

1 / 58