ويوضح شلوفسكي هذا بقوله: «كلما سلطت الضوء على حقبة ما، ازددت اقتناعا بأن الصور التي تعتبرها من ابتكار الشاعر إنما استعارها هذا الشاعر من شعراء آخرين وبدون تغيير تقريبا.»
60
فلا يوجد نص أصلي، إنما النص هو تلاق بين النصوص، وكل نص هو امتصاص وتحويل لنص آخر. وفي ضوء ذلك، يكون هدف التفكيك - بحسب دريدا - البحث عن نص داخل نص آخر، وإحالة نص على نص، وبناء نص من نص آخر ... إلخ.
إن التناص نتيجة طبيعية أيضا لموت المؤلف؛ فالنصوص هي التي تفسر بعضها، ومن ثم وجب إبعاد العوامل الخارجية عن النص؛ فالسياق الخارجي لا يمكن أن يحدد علاقات النص ودلالته؛ لأن النص قد تجاوز هذا الخارجي وتحرر عنه واستقل عنه بوجود جديد، ينبني عليه عالم جديد.
61
والتناص كآلية لعمل النصوص تقضي تماما على مفهوم التمثيل
Representation
الذي كان سائدا في الفكر الغربي؛ والذي كان يحدد علاقة الفنان بعالمه بوصفها تمثيلا يعاد إنتاجه في العمل الفني. كما يجهز على نظرية المحاكاة؛ التي تعني أن الفنان يحاكي تجاربه السابقة في الحياة أو واقعه الاجتماعي والسياسي. فالعمل الفني، وفقا لمفهوم التناص، ما هو إلا خليط ومزج لأعمال سابقة وثقافات مختلفة، وعلى المتلقي أن يكتشف تلك الأعمال، ليبدع فهمه الخاص.
لقد كان بارت دائم التأكيد في مؤلفاته على أن تحليله للعمل الأدبي يهدف إلى تفجير الوحدة والانغلاق داخل النص للكشف عن الطريقة التي بها يعمل، فنسيج النص يتشكل عبر تضافر عدد من الأنساق وتشابكها معا. لكن ما هو النسق؟
إنه مجموع الإحالات والاقتباسات والبناء الرمزي الذي يمنح النص مظهر الانسجام والاتساق، إنه منطلق لبنيات أخرى ونصوص مغايرة؛ أي أن النص ليس كيانا متفردا مبتكرا لا نظير له، حسب المفهوم الرومانسي التقليدي للإبداع، بل إنه يتشكل مما يسميه بارت «ما سلف»؛ أي ما سلف قراءته وكتابته ومشاهدته؛ أي النص المجتمعي والثقافي.
Unknown page